منتدى جامع الائمة الثقافي - رسول الله محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ومحاسبة النفس

اذا اراد الفرد ان يكون انسانا ، بحيث يواصل طريقه في مسير الرقي الانساني ، فعليه ترويض النفس من اجل تزكيتها ، وهنا يحتاج الى محطة مهمة ، نبهنا عليها ووجهنا اليها ، الفرد الاكمل والانسان الانبل ورسول الله الاعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهذه المحطة تسمى بمحطة المحاسبة والمراقبة، والتي سوف يتم التعرض لها في هذا المبحث باختصار ضمن النقاط التالية:

اولا. من الاحاديث الواردة بخصوص هذه المحطة
*.قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، ومهدوا لها قبل أن تعذبوا، وتزودوا للرحيل قبل أن تزعجوا، فإنما هو موقف عدل، واقتضاء حق، وسؤال عن واجب، وقد أبلغ في الإعذار من تقدم بالإنذار"

ثانيا. من علل اهمية هذه المحطة
لو اذعن الانسان الى الانصاف لوجد ان هذه القاعدة يقر بها العقل السليم، كيف؟
لان العاقل (وعلى سبيل المثال)، حينما يعمل بتجارة ما او صناعه ...، فانه بين الحين والاخر يجري مجموعه من الحسابات ليعرف جدوى عمله وكيفية تحسين ادائه لزيادة ارباحه وتلافي المشاكل ؟
عليه فمن النافع بل هو المتعين عدم اهمال هذه القاعدة اثناء مسير الانسان في طريق التكامل الايجابي، لماذا؟
لأنه ومثلما يرفض العاقل عملية تخريب تجارته او صناعته او زراعته او منزله...، كذلك ومن هذا الباب عليه ان يرفض قيام نفسه الامارة بتخريب تكامله ورقيه الانساني ، حينما تسرق عمره وصحته وثمرة جهده لتنفقها بما يضره ويعرقل مسيرته الانسانية .

ثالثا. التوقف في محطة محاسبة النفس
بالرغم من ان التوقف في المسير التكاملي اهون من الرجوع ، وكلاهما لا يقارن بخسارة الانقلاب والارتداد ، ولكن البعض منا ينزعج من التوقف ، وذلك لانه يعتبر التوقف مذموم في جميع الاحوال ، وهذا الفهم فيه اشكال ، لماذا؟
لأنه ليس كل التوقف اثناء المسير التكاملي مذموم ، بل اننا نستشف من حديث المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، اعلاه ، ان التوقف في محطة المحاسبة ، ليس ممدوح فحسب بل هو واجب وضروري ، ولتوضيح المطلب انقل اليكم وبالمضمون بعض من كلمات الاستاذ الفاضل علي الزيدي والتي القاها في احدى المحاضرات ، حيث قال:
1 ـ ان الانسان في الكثير من المواقف ، اثناء المسير التكاملي ، يطلب محطات للتعلم والرقي ، ولكنه اثناء هذا المسير قد يغفل ويفوته الخير الكثير ، لذا يجب الوقوف وقفة حساب ليعرف هل هو سائر بالطريق الصحيح ام لا.
2 ـ التقدم نحو الامام ليس صحيح دائما ، خصوصا اذا كان الفرد جاهل بمقومات مسيره وهو يظن انه يحسن صنعا ، لذا فالتوقف هنا وحتى الرجوع بمعنى من المعاني يكون خير ، فباب رحمة الله تعالى لازال مفتوح للاوابين والتائبين.
3 ـ ان رسول الله موسى الكليم (عليه السلام) ، لم يتوقف فحسب ، بل رجع الى مجمع البحرين للقاء العبد الصالح ، في الحادثة القرآنية المعروفة، ليتعلم منه وكان ينظر الى العبد الصالح نظر المعلم ، وكان يريد التعلم حقا ، ولا يهمه انه نبي او رسول في محضر المعلم.(انتهى).
اذن :
1 ـ اذا غفل الانسان للحظات وانحرف عن جادة الصواب فلن يكون حينها المسير وزيادته الا بعدا عن الحقيقة ، لذا على الفرد ان يتوقف في محطة المحاسبة والمراقبة لكي تساعده في العودة الى جادة الصواب .
2 ـ هنالك تيهان لا يشعر به الفرد حتى لو توقف في هذه المحطة ، وهنا تبرز اهمية وجود القائد الانساني ، لأنه يرى هذا التيهان ويدركه ، لذا على الفرد طاعة القائد من اجل العودة الى جادة الصواب ، علما ان القائد يبين دائما مزالق التيهان ، ويحذر من الوقوع فيها ، ولكن قد تتغلب على الفرد الغفلة او التغافل او التأويل الخاطئ .
3 ـ نعمة الاخوان لها فوائد جمه ، لان الأخوة تفرض على افرادها ان يشد بعضهم بعضا(كالجسد الواحد)، فحينا يتيه الفرد ويغفل عن نفسه فلابد ان يكون احد الاخوان التفت الى هذا التيهان ، فيهب مسرعا لنجدة اخيه ، وعليه يجب اخذ نصيحة الاخوان وارشاداتهم بصورة حسنة وترك سوء الظن.
4. ينبغي شكر الله على نعمة ، وجود الاخوان، ونعمة وجود القائد الانساني الذي تقع على عاتقه اعباء ومسؤوليه بناء الانسان والسعي في رقيه وتكامله .

رابعا .محطة المحاسبة وجيش طالوت
من الامثلة التي تساعدنا في زيادة فهم المطلب ، ومعرفة مدى اهميته ، قصة طالوت(عليه السلام)، وجيشه المذكورة في القران الكريم ، فحينما اراد طالوت الانطلاق بجيشه لتحرير بلادهم من جالوت وجنوده ، خرج الامر بما يلي:
((فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ))(سورة البقرة/ الآية 249 ).
وبإيجاز يمكن ان نستشف من الامر اعلاه عدة امور والتي منها ما يلي:
1 ـ فمن شرب منه فليس مني (وفعلا قد شرب الكثير من النهر فخرج من جيش طالوت(عليه السلام)).
2 ـ ومن لم يطعمه فانه مني الا من اغترف غرفة بيده.
في (2)، الاختبار اشد من (1) ، كون الاستثناء موجود في (2)، وهو:
الا من اغترف غرفة بيده ، أي ان مرحلة (2) ، اختبارها اعلى ، وهذا طبيعي كون افراد جيش طالوت كانوا على مراتب متعددة من الاخلاص والوعي والطاعة...، واجمالا ينقسمون الى ثلاثة اقسام رئيسية وهي:
ا. من شرب من النهر
ب. من اغترف غرفة بيده
ج. من لم يطعمه
فأما الذين شربوا من النهر (ا)، فخرجوا قبل مجاوزة النهر ، وكانت نتيجتهم الفشل اكيدا
واما الذين اغترفوا غرفة بأيديهم(ب)، فـ ((قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ)) وخرجوا قبل مواجهة المعركة ، وايضا كانت نتيجتهم الفشل
ولم يحصل على النجاح الا الفئة الاخيرة(ج)الذين لم يطعموا من النهر فهؤلاء (( بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ ))
والان لنلتفت الى محطة المحاسبة في هذه القصة وناخذ العبرة منها .
في الواقع من النافع الالتفات الى اننا سنحذو حذو بني اسرائي حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ، اي ان الذي جرى عليهم سيجري علينا حتما
اذا لابد من فهم ما جرى معهم لتلافي الوقوع فيما وقعوا فيه من اخطاء، ففي القصة اعلاه يمكن ان نستشف بان افراد جيش طالوت الفاشلين في الامتحان وهما :
ا. الذين شربوا من النهر وخرجوا من جيش طالوت قبل مجاوزة النهر (هؤلاء يهمل الحديث معهم الان)
ب. الذين اغترفوا غرفة بأيديهم (الحديث الان مع هؤلاء)
اصحاب الغرفة لابد انهم لم يتخلصوا من الكثير من السلبيات التي كان ينبغي لهم ان يتخلصوا منها خلال مسيرهم التكاملي ، قبل المعسكر واثناء المعسكر وما بعد المعسكر، أي انهم اهملوا وبشكل كبير محطة المحاسبة والمراقبة مما ادت بهم الى سوء فهم اوامر وتوجيهات قائدهم الانساني طالوت ، او التلكؤ والمراوغة في تطبيق تعليماته ، نتيجة الركون لهوى النفس والتعلق بحب الدنيا ، وعليه ولكي لانفشل نحن كما فشل من كان قبلنا ينبغي الالتفات الى عدة امور والتي منها ما يلي:
1ـ امر طلب العلم وتحصيله والتزود بمعارفه من اجل زيادة الوعي ، حينما يتلكأ به الفرد لأسباب غير مقبولة ، الا يؤدي الى اغتراف الغرفة؟
2 ـ احياء امر اهل البيت(عليه السلام) ونشر وتنفيذ تعاليم الشريعة السمحاء وتوضيح مفردات مطالبها بعد تطبيقها عمليا ...، التقصير به لأسباب غير مقبولة الا يؤدي الى اغتراف الغرفة؟
3 ـ تعويد البدن على تحمل الصعاب والمشاق ، لكي يكون الفرد نشيطا ومرنا اثناء حركته في خدمة الانسانية ... ، الا يؤدي التقصير فيه لأسباب غير مقبولة الى اغتراف الغرفة؟
4 ـ التقصير الواضح في السيرة الحسنه مع الاهل والجيران وباقي الناس وخصوصا الاخوان ...، الا يؤدي الى اغتراف الغرفة؟
5 ـ عدم التزود بالخبرة وكثرة الغفلة والكسل وسوء الظن وكثرة الشكوك: الا يؤدي الى اغتراف الغرفة؟

خامسا . شكرا لله الذي من علينا برسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ذلك الانسان المثالي الذي بين لنا جميع ما نحتاج اليه اثناء مسيرنا التكاملي ، وكان ومازال يغمرنا بفيضه وحنانه من اجل ان نصل الى ارقى المقامات والمراتب الانسانية.
المصدر:
بحار الانوار للشيخ المجلسي/ ٧٠ / ٧٣ / ٢٦. وسائل الشيعة للحر العاملي/ ج: 16 .