انزال العقوبة
ان اشد ما يخافه الانسان وخاصة المؤمن هو ان يحل به ما يخشاه من افعاله وذنوبه سواء في الدنيا او الاخرة وهذا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب {صلوات الله عليه} في احد المقاطع من دعاء كميل المبارك يحذرنا وبكل بلاغة وفصاحة من اقتراف الذنوب، حيث يقول في هذا المقطع المنقول عن كتاب { باب التوبة . ماذا تنتظر ؟! باب التوبة مفتوح}الذي اعده السيد القائد مقتدى الصدر ليكون منهاجا لطاعة الله سبحانه وتعالى والمعصوم {عليه السلام} لغرض اكمال القواعد الشعبية التي اسسها لتكون حاضنة طيبة لافراد جيش الامام المهدي {عليه السلام} للقضاء على الظلم ونشر العدل والوصول الى طاعة الله وعبادته كما يحب ويرضى جل وعلا (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون) حيث يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) {{اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم}}
علما ان المقصود من النقم هي انزال العقوبة.
وعن الامام الصادق (عليه السلام) {{ان الذنوب التي تنزل النقم هي الظلم}}(1)
وفي بعض الروايات يقسم الظلم الى ثلاثة اقسام:
ظلم لا يغفر ، وظلم لا يترك ، وظلم مغفور لا يطلب
فأما الظلم الذي لا يغفر: الشرك بالله سبحانه ، فأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات ، يعني الصغيرة من الزلات وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا(2).
وقال امير المؤمنين (عليه السلام) (( الذنوب ثلاثة ، فذنب مغفور ، وذنب غير مغفور ، وذنب مرجو لصاحبه ويخاف عليه )) .
قيل: يا امير المؤمنين ، فبينها لنا
قال: نعم ، اما الذنب المغفور فعبد عاقبه الله على ذنبه في الدنيا والله تعالى أحلم وأكرم من ان يعاقب عبده مرتين.
وما الذنب الذي لا يغفره الله فظلم العباد بعضهم لبعض . ان الله اذا برز للخليقة اقسم قسما على نفسه فقال: وعزتي وجلالي ، لا يجوزني ظلم ظالم ولو كفا بكف ، ولو مسحة بكف ، ولو نطحة ما بين القرناء الى الجماء {الشاة الجماء: التي لا قرن لها} ، فيقتص للعباد بعضهم من بعض حتى لايبقى لأحد مظلمة ، ثم يبعثهم الله للحساب .
واما الذنب الثالث فذنب ستره الله على عبده ورزقه التوبة منه فأصبح خائفا من ذنبه راجيا لربه ، فنحن له كما هو لنفسه ، ونرجو له الرحمة ، ونخاف عليه العقاب (3).
قال بعض شراح الحديث : ((ولعله (ع) اراد بالتوبة المشكوك في شروطها ، لما عرفت من ان التوبة الجامعة للشرائط مقبولة ، فاذا كانت مقبولة فالذنب لامحاله مغفور)).
والتوبة الجامعة للشرائط قد بينها مولى الموحدين امير المؤمنين ( وهي من جوامع الكلم ، فقد روي في نهج البلاغة ان قائلا قال في حضرته (عليه السلام): استغفر الله . فقال له : ثكلتك امك ، أتدري ما الأستغفار ؟ ان الاستغفار درجة العليين ، وهو اسم واقع على ستة معان :
اولها : الندم على ما مضى !
والثاني : العزم على ترك العود اليه أبدا .
والثالث : ان تؤدي الى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله سبحانه املسا ليس عليك تبعه .
والرابع : ان تعمد الى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها .
والخامس : ان تعمد الى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد .
والسادس : ان تذيق الجسم آلم الطاعة كما اذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول ( استغفر الله ).
ولكن يجب التنبه الى ان بعض الشروط الستة هي في الحقيقة من كمال التوبة ، كما في الشرط الخامس والسادس ، اما الشروط الاربعة الأخرى ، فهي من الشروط الواجبة : اي ان القسم الأول ، والثاني من أركان التوبة، والثالث والرابع هما من الشروط اللازمة ، والخامس والسادس من شروط الكمال .
المصادر
- كتاب اسرار العارفين
1- علل الشرائع : 2/584.جواهر الكلام 12/129
2- مجمع البحرين : 3/95. ونحوه في المصنف/عبد الرزاق 11/183 الحديث 20276
3- المحاسن/ البرقي: 1/7.الحديث 18.الكافي: 2/443....