20-07-2011, 11:31 AM
|
#1
|
|
من حكم لقمان الحكيم
[align=justify] لاهمية الحكمة والموعظة ذكرها الله عزوجل في كتابه السماوي العظيم ، وعكست لنا الآيات الثمانية المباركة من سورة لقمان الحكيم عليه السلام والتي ذكرناها في بحثنا هذا ، وقد بينت لنا جانب مهم وباسلوب رائع المسائل العقائدية في التوحيد ومحاربة الشرك ، اضافة الى المسائل الاخلاقية والاجتماعية والدينية المهمة وذلك في مواعظ لقمان لابنه.
لقد كانت اولى مواعظ لقمان الحكيم عليه السلام في مسألة التوحيد ومحاربة الشرك وهما اساس كل الحركات الصحيحة والبناءة ، وعقد القلوب مع الله عزوجل ، واطاعة اوامره ، وكسر كل الاصنام في ساحة كبريائه.
احترام الوالدين :
وبعد ذلك يوصي لقمان ابنه باحترام الوالدين مع العلاقة القوية فيما بينهما وخلوص النية ، وما هي خير وصلاح الولد ، فتقول الآية المباركة المحكيّة عن الله تعالى : « ووصينا الانسان بوالديه ». وبعد ذلك تشير الآية الى جهود ومتاعب وآلام الام العظيمة ، فتقول : « حملته امه وهنا على وهن ».
اثبتت التجارب من الناحية العلمية ان الامهات في فترة الحمل يصبن بالضعف والوهن ، لانهن يصرفن خلاصة ارواحهن في تغذية وتنمية الجنين ، ولذلك فان الامهات اثناء فترة الحمل يبتلين بنقص انواع الفيتامينات فيسبب لهن آلاما ومتاعب كثيرة ، ويستمر هذا الأمر حتى فترة الرضاعة ، لان اللبن عصارة روح الام ، وتستمر هذه الرضاعة مدة سنتين ، وذلك قوله تعالى : « والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين » البقرة : 233. وقوله تعالى : « وفصاله في عامين » لقمان : 14.
وعلى هذا فان الام خلال هذه الفترة ، فترة الحمل وفترة الرضاعة ومابعد الرضاعة ، تقدم اعظم تضحية لولدها ، سواء كان من الجانب الروحي والعاطفي ، او الجسمي ، او من جهة الخدمات والرعاية.
وقد روي في الكافي : انه جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله من ابر ؟ قال : امك ، قال : ثم من ؟ قال : امك ، قال : ثم من ؟ قال : امك ، قال : ثم من ؟ قال : اباك. (3)
وبعد ذلك يقول تعالى : « ان اشكر لي ولوالديك » هنا يتزامن شكر الله وشكر الوالدين « رضا الله من رضا الوالدين » الشكر يكون اولا لله تعالى لانه الخالق والمنعم الاصلي علينا ، والذي منحنا مثل هذين الابوين العطوفين الرحيمين ، وبعد ذلك يكون الشكر للوالدين ، لانهما الواسطة لهذا الفيض ، فما اجمل ان يجعل شكر الوالدين قرين شكر الله ! ..ـ الكافي : عنه تفسير الميزان ، سورة لقمان
الاعمال الصالحة :
وبعد هذا يأتي دور التاكيد على الحساب والمعاد ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر والاخلاق الحسنة ... حيث يقول عزوجل : « يا بني انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة او في السماوات او في الارض يات بها الله ان الله لطيف خبير » . ـ لقمان : 16.
فان الله اللطيف الخبير المطلع على كل الموجودات ، صغيرها وكبيرها في جميع انحاء العالم ، سيحضرها للحساب والعقاب والثواب ، في اليوم الموعود ، ولا يضيع شيء في هذا الحساب ، من الحسنات والسيئات ، حتى لو كانت بقدر حبة الخردل السوداء الصغيرة جدا.
والمرحلة الاخرى التي تطرق لها لقمان الحكيم بعد التوحيد والشرك والمعاد والحساب ، مسألة الصلاة ، والتي هي اساس كل الاعتقادات الدينية واهمها ، والتي هي عمود الدين ، حيث قال : والصلاة تنور القلب ، وتصفي الروح وتطهرها وتضيء الحياة ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر.
وبعد الصلاة يتطرق الحكيم الى اهم دستور اجتماعي ونظام عملي ، الا وهو : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيأمر الحكيم ولده ويقول : « وامر بالمعروف وانه عن المنكر » اذا طبق هذا الحكم وعمل به تسعد الامة والبشرية جمعاء ، ويستتب الامن والصلاح.
وبعد ذلك يتطرق لقمان عليه السلام الى مسألة ـ الصبر ـ والاستقامة ، والتي هي من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فيقول : « واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور,,
من المسلّم انه توجد مشاكل وعقبات كثيرة في سائر الاعمال الاجتماعية والدينية ، وخاصة في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واقامة الصلاة جماعة وفرادا ، ومن المسلم ايضا ان الطغاة والمتسلطين على رقاب الناس ، واصحاب المصالح ، لا يستسلمون بهذه السهولة ، بل يسعون الى ايذاء المؤمنين واتهامهم بانواع التهم ، ويزرعون في طريقهم الاشواك.
فهنا لا بد من الصبر والتحمل والاستقامة حتى نتمكن من اداء ما علينا من الواجبات.
السلوك الحسنة :
ثم ينتقل الحكيم الى المسائل الاخلاقية المرتبطة بالناس والنفس ، فيوصي عليه السلام بالتواضع والبشاشة وعدم التكبر فيقول : « ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الارض مرحا ان الله لا يحب كل مختال فخور ـ لقمان : 18.
« تُصَعّر » : من مادة ( صعر ) وهو في الاصل مرض يصيب البعير فيؤدي الى اعوجاج رقبته.
« والمرح » : يعني الغرور والبطر الناشئ من النعمة.
من وصايا لقمان في المشي يقول : ولا تمشي في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولا تبلغ الجبال طولا ، وان كل يوم ياتيك يوم جديد يشهد عليك عند رب كريم.
« والمختال » : من مادة « الخيال » و « الخيلاء » ، وتعني الشخص الذي يرى نفسه عظيما وكبيرا ، نتيجة سلسلة من التخيلات والاوهام.
و « الفخور » : من مادة « الفخر » ويعني الشخص الذي يفتخر على الآخرين. جدا وغير مرضيتين ، وهما اساس تضعيف الانسان وقطع روابطه الاجتماعية ، وهما : التكبر وعدم الاهتمام بالآخرين ، والغرور والعجب بالنفس ، ومن كانت به هذه الصفات يسقط الى الهاوية.
حيث قال الحكيم : يا بني اياك والتجبر والتكبر والفخر فتجاور ابليس في داره.
علما ان مثل هذه الصفات مرض نفسي واخلاقي يجب علاجه عند الحكماء ومحاربته ، ومحاربة كل مظاهر التكبر والغرور ، وعلى هذا نرى الحكيم لقمان يضع اصبعه على هذا الداء الخطير ويعطينا الدواء ويقول : « واقصد في مشيك واغضض من صوتك ان انكر الاصوات لصوت الحمير » ـ لقمان : 19.
امرنا الحكيم الاعتدال في المشي ، كما اوصى برعاية الاعتدال في العمل والكلام وخفض الصوت ، والسبب في التاكيد على هذه الصفات المهمة ، لانها تعطي طابع عن شخصية الانسان واخلاقه ، وتنعكس على اعماله.
ففي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « من مشى على الارض اختيالا لعنته الارض ومن تحتها ومن فوقها » ـ ثواب الاعمال ، وامالي الصدوق.
وجاء في حديث عن الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام قال : « من علامات الفقه : العلم ، والحلم والصمت ، ان الصمت باب من ابواب الحكمة » الوسائل ص 532.
وهذا ليس بمعنى ان الانسان يجب ان يكون صامتا وساكتا دائما ، بل المراد ان يكون الكلام في محله ومختصرا ونافعا ، وقد جاء في روايات عديدة على انه لا ينبغي للمؤمن ان يسكت في المواضع التي يلزم فيها الكلام ، وان الانبياء بعثوا بالكلام لا بالسكوت.
وان وسيلة الوصول الى الجنة والخلاص من النار هي الكلام في الموضع المناسب ، وما ينتفع منه الناس.
في آداب السفر :
يا بني : سافر بسيفك وخفك وعمامتك ، وخبائك وسقائك ، وخيوطك ومخرزك ، وتزود معك من الادوية ما تنفع به انت ومن معك ، وكن لاصحابك موافقا الا في معصية الله عزوجل.
يا بني : اذا سافرت مع قوم فاكثر استشارتهم في امرك وامورهم ، واكثر التبسم في وجوههم ، وكن كريما على زادك بينهم ، واذا دعوك فاجبهم ، وذا استعانوك فاعنهم.
واستعمل طول الصمت ، وكثرة الصلاة ، وسخاء النفس بما معك من دابة او ماء او زاد.
واذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم.
واجهد رايك اذا استشاروك ، ثم لا تعزم حتى تتثبت وتنظر ، ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد ، وتنام وتاكل وتصلي ، وانت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورته ، فان من لم يمحض النتيجة من استشارة سلبه الله رايه.
واذا رأيت اصحابك يمشون فامش معهم ، فاذا رايتهم يعملون فاعمل معهم ، واسمع لمن هو اكبر منك سنا.
واذا امروك بأمر ، وسالوك شيئا فقل : نعم ، ولا تقل : لا ، فان « لا » عي ولؤم.
يا بني : اذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشيء ، صلها واسترح منها فانها دَين.
وصل في جماعة ولو على زج.
واذا نزلت فصل ركعتين قبل ان تجلس ، واذا ارتحلت فصل ركعتين ثم ودع الارض التي حللت بها ، وسلم عليها وعلى اهلها ، فان لكل بقعة اهلا من الملائكة.
يا بني : اذا سافرت فلا تامن على دابتك فان ذلك سريع في ادبارها وليس ذلك فعل الحكماء الا ان تكون في محل يمكنك فيه التمدد ، واذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك وسر ثم ابدا بعلفها قبل نفسك ، واياك والسفر في اول الليل.
[/align]
|
|
|