الجمعة الرابعة والعشرون 3 جمادي الثاني 1419
بسم الله الرحمن الرحيم
رجاءً الاستماع للخطبتين واجب ..
توجد كلمة قبل الخطبتين مختصرة اقولها لكم انه نحن طبعا في جمادي الثانية وفي العشرين من شهر جمادي الثانية ولادة الزهراء (سلام الله عليها)، فالرجاء منكم الا تقصروا في هذه المناسبة في زيارة امير المؤمنين (سلام الله عليه). مضافا طبعا ولادة الزهراء سوف تقع في الاثنين على ما هو المظنون. ثم في الجمعة التي تليها في الحقيقة الذكرى السنوية الاولى لتأسيس صلاة الجمعة في العراق، فالرجاء الا تقصروا في الحضور الى مسجد الكوفة لاحياء هذه الذكرى ، طبعا اذا بقيت الحياة واما اذا لم تبق الحياة وهذا امر متوقع في اي نفس وفي اي يوم فاسألكم الفاتحة والدعاء ، وشيء آخر رئيسي وهو ان تحافظوا على دينكم ومذهبكم ولا تدعوا هذا الزرع الذي حصدتموه بفضل الله سبحانه وتعالى ان يضيع وان يجف ، لا، حافظوا عليه ، طبعا ان شاء الله ان الشجاعة موجودة والوعي موجود والدين بذمتكم والمذهب بذمتكم لا ينبغي التفريط فيه ولا بقليل ولا بكثير، انا لست مهما بوجهي ولا بيدي ولا بعيني وانما الشيء المهم هو دين الله ومذهب امير المؤمنين (سلام الله عليه).
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
سُبْحانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ، سُبْحانَ الله مِنْ إِلهٍ ما أَمْلَكَهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ مَلِكٍ ما أَقْدَرَهُ وَسُبحانَهُ مِنْ قَدِيرٍ ما أَعْظَمَهُ وَسُبحانَهُ مِنْ عَظِيمٍ ما أَجَلَّهُ وَسُبحانَهُ مِنْ جَلِيلٍ ما أَمْجَدَهُ وَسُبحانَهُ مِنْ ماجِدٍ ما أَرْأَفَهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ رَؤُوفٍ ما أَعَزَّهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ عَزِيزٍ ما أَكْبَرَهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ كَبِيرٍ ما أَقْدَمَهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ قَدِيمٍ ما أَعْلاهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ عالٍ ما أَسْناهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ سَنيٍّ ما أَبْهاهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ بَهيٍّ ما أَنْوَرَهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ مُنِيرٍ ما أَظْهَرَهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ ظاهِرٍ ما أَخْفاهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ خَفيٍّ ما أَعْلَمَهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ عَلِيمٍ ما أَخْبَرَهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ خَبِيرٍ ما أَكْرَمَهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ كَرِيمٍ ما أَلْطَفَهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ لَطِيفٍ ما أَبصَرَهُ وَسُبحانَهُ مِنْ بصِيرٍ ما أَسْمَعَهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ سَمِيعٍ ما أَحْفَظَهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ حَفِيظٍ ما أَمْلاهُ وَسُبحانَهُ مِنْ مَليٍّ ما أَوْفاهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ وَفيٍّ ما أَغْناهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ غَنيٍّ ما أَعْطاهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ مُعْطٍ ما أَوْسَعَهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ واسِعٍ ما أَجْوَدَهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ جَوادٍ ما أَفْضَلَهُ وَسُبْحانَهُ مِنْ مُفْضِلٍ ما أَنْعَمَهُ
اللهم صل على محمد وال محمد بافضل صلواتك واكبر تسليماتك واعظم تحياتك كافضل واكرم واحسن ما صليت على ابراهيم وال ابراهيم انك حميد مجيد فعال لما تريد وانت على كل شيء شهيد.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
هذا اليوم هو من ذكريات وفاة سيدتنا الزهراء (سلام الله عليها) كالذي سبق في المناسبات السابقة فيحسن ان يبقى الحديث عنها مستمرا.
قال الشاعر:
ولأي الامور تدفـن ليـلا .... بضعة المصطفى ويعفى ثراها
فقد أثار الشاعر جزاه الله خيرا سؤالين عن مشكلتين تاريخيتين تتصلان بالزهراء (سلام الله عليها)، إحداهما وهي الدفن ليلا حصلت بقناعة الزهراء (سلام الله عليها) ووصيتها. والاخرى وهي اخفاء قبرها حصلت بقناعة زوجها امير المؤمنين (سلام الله عليه) وقد نستطيع الوصول بالأسئلة الى ثلاثة او اكثر لان هذا البيت الشعري على شكل سؤال:
ولأي الامور تدفن ليلا .... بضعة المصطفى ويعفى ثراها؟
فيه سؤالين لكن لا -احنه انزّيدْ عليه بعد واحد -
الاول: ان الزهراء (سلام الله عليها) قد غُسلِّت بعد وفاتها سرا في داخل بيتها (كول لا !) ولم يعلم احد بذلك من خارج الاسرة ولم يشارك فيه أحد الا زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) واسماء بنت عميس - على ما ببالي - التي كانت تناوله الماء.
الثاني: ان الزهراء (سلام الله عليها) اوصت زوجها ان تدفن ليلا حين تهدأ العيون وينام الناس ولا يكون لها تشييع عام. وقد طبق امير المؤمنين (سلام الله عليه) هذه الوصية ودفنت سرا ليلا باجماع كلام المؤرخين من كل المذاهب الاسلامية، ولا يحتمل فيها غير ذلك. ولم يحضر تشييعها ودفنها الا حوالي سبعة نفر فقط، زوجها وولداها (سلام الله عليهم) وبعض الخاصة من خاصتهم كسلمان الفارسي وابو ذر وعمار (رضوان الله عليهم).
الثالث: ان الزهراء (سلام الله عليها) عُفي قبرها ولم يظهر الى حد الان وهذا ايضا اكيد بتسالم المؤرخين. ورفض امير المؤمنين بكل شدة وقوة ارادة، ان يدل المجتمع على قبرها الذي دفنت فيه ليلا. ولا زلنا نشعر بانه لا توجد حجة شرعية كأدلة على كونها مدفونة في اي مكان محدد. إلا انها في منطقة كبيرة هي المدينة المنورة دون اي مكان محدد منها. ولعل الارجح في ذلك احد احتمالات ثلاث.
اولا: انها دفنت في بيتها ( اي البيت الذي كانت تسكن فيه مع امير المؤمنين (سلام الله عليه)).
ثانيها: انها دفنت في البقيع - انا كتبت لك جم كلمة شرح عن البقيع يحسن الالتفات اليه جدا - ويسمى بقيع الغرقد، وقد كان مدفنا لاهل المدينة (كوادي السلام في النجف الحقيقة ) وكان خارج البيوت يومئذ – المدينة صغيرة ، في خارجها ، كما ان وادي السلام الان في خارج النجف ، سبحان الله - يُخرجون موتاهم الى خارج المدينة ويدفنونها في المقبرة، التي هي بقيع الغرقد . وفيه مقابر كثير من الصحابة والتابعين والهاشميين بما فيهم بعض المعصومين (عليهم السلام)، وهم الامام الحسن المجتبى (عليه السلام) والامام السجاد علي ابن الحسين (عليه السلام) والامام الباقر (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام). وكان – لاحظوا - على هذه القبور - اي قبور المعصومين هؤلاء الائمة الاربعة - عليها بناء كبير ولا زالت صورته الفوتوغرافية موجودة – انتو طبعا اغلبكم ما شايفيهه اكيدا - وكانت تسمى عند اهل المنطقة بقبة اهل البيت وقد هدمها الوهابيون السعوديون. واصبح – اسمعوا ، انتم واعين وفاهمين - في نظرنا يوم معين من السنة يسمى يوم هدم القبور، هدم قبور البقيع ، مصيبة كمصيبة وفاة احد الائمة سلام الله عليهم اجمعين ، تعدل مصيبة ذكرى وفاة احد المعصومين عليهم السلام ، واصبح الناس يعملون بهذه المناسبة تعازي واحتفالات ونحو ذلك ، وذكريات . وايضا قال الشاعر بهذه المناسبة:
الا ان حادثة البقـــيع .... يشيب لهولها فـود الرضيع
وسوف تكون فاتحة الرزايا .... اذا لم نصحوا من هذا الهجوع
كما قد كان في مقبرة البقيع بناية تسمى قبة المبكى – بالله قبة المبكى يعني شنو ؟ - وهي ان الزهراء (سلام الله عليها) بعد ابيها حينما في الحقيقة طردت من داخل المدينة انه اسكتوها فان بكاءها يزعج الجيران ، اخرجها زوجها الى البقيع، فاصبحت تبكي هناك. فخلال الاجيال بني في نفس المنطقة بناء ، سور وقبة تسمى قبة المبكى لذكرى فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، وكان هذا في ضمن ما هدم عند هدم البقيع.
ويوجد شرح ذلك وغير ذلك مفصلا في كتاب – هذا ما نعرفه لكن هذا الكتاب ايضا من واحد مصري ، كل هالحجي موجود بيه - يسمى بمرآة الحرمين لاحد الضباط المصريين الذين كانوا يذهبون من مصر في حملات الحج كل سنة قبل سبعين عاما او اكثر وفيه صورة لمقبرة بقيع الغرقد – البقيع نفسه - قبل الانهدام. وتظهر فيه بنايات عديدة منها بناية المبكى، ومنها قبة اهل البيت (سلام الله عليهم) واشياء اخرى - وهو ايضا يعدّد محتويات البقيع وحدة وحدة ، فيه كذا وكذا وكذا ، المهم مصدر جيد وهو منهم وليس من عندنا حبيبي - ومحل الشاهد ان احدى الروايات هي انها (سلام الله عليها) دفنت في البقيع ولكن لم يعرف موضع قبرها الى الان ، بالتاكيد انها حقيقة في البقيع؟ او وين من البقيع مدفونة ؟ لا يُعلم. ولم يبنِ عليها احد قبة لانها مجهولة من حين دفنها.
والرواية الثالثة : انها دفنت قرب ابيها يعني قرب مدفن الرسول (صلى الله عليه واله). وبعضهم وربما الارتكاز المتشرعي كما نقول، يفهم ذلك مما ورد عن النبي (صلى الله عليه واله) يقول: بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة. والظاهر ان هذا الخبر مما يرويه الفريقان حسب اطلاعي. فنقول هنا ان هذه الروضة من الجنة هي قبر الزهراء (سلام الله عليها)، وتوجد هناك روايات اخرى اضعف من هذه الثلاثة.
وعلى اي حال فحسب فهمي ان هذه الثلاثة ايضا غير مذكورة بحجة شرعية، وانما هي محتملات راجحة على اية حال. يكفينا من ذلك ان امير المؤمنين (عليه السلام) تعمد التعتيم الاعلامي (باللغة الحديثة) على قبرها من نفس الليلة التي دفنت ، ولا زال هذا التعتيم موجودا. فكيف نستطيع ان نستدل على قبرها بحجة شرعية مع وجود هذا التعتيم الذي دعمه امير المؤمنين بنفسه (سلام الله عليه).
والملاحظ ان سائر الائمة بعد امير المؤمنين (عليه السلام) التزموا على نفس المسلك، ولم يصرحوا بموضع قبر الزهراء (عليها السلام)، بخلاف الامور الاخرى فانها صدرت عنهم كثيرا كموضع قبر امير المؤمنين (عليه السلام) وحوادث الطف وغير ذلك. حيث كانوا يذهبون لزيارة قبر جدهم امير المؤمنين ولكن – سبحان الله - لم يحاولوا زيارة قبر جدتهم الزهراء (سلام الله عليها) لكي لا يكون ذلك إيذانا برفع الغفلة والتعتيم عن محل قبرها ، حتى لا يكون ذلك خيانة للفكرة التي بدأها جدهم امير المؤمنين في قاعدة التعتيم على قبر الزهراء (سلام الله عليها) وحاشاهم من الخيانة. إذن، فهم لم يتلفظوا قولا ولم يعملوا عملا يدل على محل وجود قبر الزهراء (سلام الله عليها). والطريق المنحصر للاجيال المتاخرة للتعيين الحقيقي لقبر الزهراء (سلام الله عليها) هو انتظار الامام المهدي (سلام الله عليه) للقيام بسؤاله وتعيينه، واما الان فهو منسد تماما.
الخطوة الاخرى مهمة – فكرك وياي - ولئن كان الامر في تكفينها السري ودفنها السري ليلا امر خاص بالجيل المعاصر لها (سلام الله عليها) - لانه انما هم مثلا متوقعين ان يحضرون تكفينها ويحضرون دفنها واحنه طبعا ما موجودين ، لا - فخفاء قبرها ليس امرا خاصا بذلك الجيل بل عام لسائر اجيال الاسلام وهي علامة غير محمودة طبعا، واعتبرها سوء توفيق لكل الاجيال الاسلامية ابتداءً من الجيل المعاصر لوفاتها والى الان والى حين يتضح الامر بظهور الحق الاصيل (سلام الله عليه). فليس فينا اي شخص يستحق ان ينال هذه النعمة الخاصة والرحمة الحقيقية مهما كان إدّعاء هذا الشخص عاليا في دين او دنيا .
نعود الان الى التساؤل عن السبب في هذا التعتيم المكثف والطويل الامد كما سمعنا من الشاعر حين يقول:
ولاي الامور تدفن ليلاً .... بضعة المصطفى ويعفى ثراها
ولعل هذا ايضا في واقعه يعتبر من الاسرار الالهية التي لا يعلمها الا المعصومون (عليهم السلام) واولياؤهم، الا ان المشهور لدى المتشرعة الى الان ان الزهراء (سلام الله عليها) كانت تريد منع اعدائها التي غضبت عليهم عن حضور تشييعها وزيارة قبرها بعد دفنها. فكانت افضل طريقة لذلك هو هذا التعتيم المطلق الذي حصل بمنع المجتمع كله عن ذلك لكي يمتنع الاعداء عن ذلك أيضاً لانه لا سبيل الى منعهم بالخصوص الا بمنع المجتمع كله. وهذا الوجه جيد جدا لولا اشكال واحد لعلنا التفتنا اليه وهو انها لو كانت (سلام الله عليها) تقصد نفس اعدائها الموجودين في ذلك الجيل اذن فقد زالوا عن الوجود بعد مائة سنة مثلا او اقل او اكثر. فلماذا لم يكشف المعصومون من ذريتها عن موضع قبرها بعد ذلك ؟ إذن فالامر اعمق من ذلك من جهتين:
الاولى: عدم اختصاص – لاحظوا - هذا الغضب الفاطمي بالجيل المعاصر لها بل هو شامل لكل الاجيال مادام هناك اتباع ومناصرين ومحبين لهم .
الثانية: عدم اختصاص هذا الغضب الفاطمي بطبقة معينة نعتبرها متطرفة بالضلال، بل تشمل كل المجتمع بدليل على انه لا يوجد ولا واحد منهم او منا من يعرف ذلك على طول الاجيال ولو كنا مستحقين لذلك لعرفناه اكيدا، لان رحمة الله قريب من المحسنين. وحيث اننا لا نعرفه أذن فلسنا مستحقين لهذه الرحمة الخاصية ، جيلا بعد جيل.
واوضح شيء يشبه هذا المعنى هو غيبة الامام (عليه السلام) فانها تمثل غضب الله سبحانه على اعداء الله سبحانه وتعالى، فغيّبَ عنهم وليه مع العلم الاكيد والذي صرح به العلماء السابقون انه لا يمكن ان يكون غائبا عن المستحقين لرؤيته وانه (سلام الله عليه) انما تحجبه الذنوب والعيوب والمظالم الموجودة لدى الافراد والجماعات. فاي فرد تصورناه انه ليس له ذنوب وعيوب وهو مبرأ امـام الله سبحـانه وتعالى منها فانه سيرى المهدي ويتعرف عليـه.
وبتعبير اخر ان المتشرعة يشعرون انه انما غاب (سلام الله عليه) من اجل خوف القتل، فان كان ذلك صحيحا تماما فلماذا لا يظهر احيانا لمن لا يخاف منه الاعتداء وهم كثيرون الحمد لله من الشيعة والموالين؟!
وجواب ذلك نفس الجواب وهو انهم غير مستحقين لرؤية الامام ولا مبرؤون مثلا من الذنوب والعيوب الى الدرجة التي يبلغون بها درجة الاستحقاق. اذن فلنعرف ميزاننا وموقعنا امام الله سبحانه سواءً في الحوزة او في خارجها وسواء في العراق او في خارجه وسواء بين الموالين او خارجهم. لان كل اجيالنا تخفى عليها كثير من الامور المهمة الالهية والتي اوضحها – هالاثنين - التعرف على قبر الزهراء والتعرف على شخص الامام الحجة. مع العلم انه لا يحتمل ان يحجب ذلك عن المستحقين له، وليس ذلك من العدل ان يُحجب عن المستحقين له ، ليس من العدل ذلك بكل تاكيد – اي العدل الالهي ، جل جلاله - .
ومثال ذلك من وجهة نظر بعض العارفين ان البلاء الذي نزل – لاحظوا ، كقصة بسيطة - على ال يعقوب او اسرته انما كان لبعض التقصيرات وهو انهم كانوا حسب رواية موجودة على اية حال – ما علينا من صحة سندها - وهو انهم كانوا ياكلون شاة مشوية في بعض الامسيات فجاءهم فقير يطلب العطاء فلم يعطوه. وفي الحكمة: اذا صدق السائل هلك المسؤول. وقد كان هذا السائل – حسب ما يبدو والله العالم - في علم الله مستحقا حقيقة فمنعوه فكان ذلك إيذانا ببدء البلاء.
والمهم ليس هو سماع تفاصيل القصة وهي معروفة ومروية في الكتاب الكريم والسنة الشريفة. وانما محل الشاهد فيها ان يعقوب (عليه السلام) بكى حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم بنص القران الكريم – كما ينص على ذلك القران - ولكنه رجع بصره عندما القي قميص يوسف على وجهه – ايضا كما ينص القران - ولم يكن بكاؤه بكاء العاطفة على ابنه ، لا ، بل اسفا لحصول ذلك التقصير وبيانا للتوبة منه وكان يقول ايضا بنص القران ((واعلم من الله ما لا تعلمون)) وفسره بعض اهل المعرفة اني اعلم بانه عند زوال الغضب يزول البلاء - اول ما الله يرضى عنا يزيل هذا البلاء عنا - وكان يعقوب (سلام الله عليه) ينتظر زوال الغضب وتوبة الله عليهم. فحينما القي عليه قميص يوسف كان هذا إيذانا بزوال الغضب - وانه يمكن التعرف على يوسف - وحصول الرضا ولذا كف عن البكاء ورجع بصره. ولم يكن – طبعا ، لا تقولوا الغضب ، هم معصومون سلام الله عليهم - لم يكن الغضب غضبا الهيا مطلقا لانهم (سلام الله عليهم) معصومون وانما كان تنبيها وامتحانا على تقصير بسيط ولم يكن طبعا هو من المحرمات لكي يكون منافيا للعصمة.
فمحل الشاهد – الحين هالرواية رويناها لاي شيء؟ - انه اذا زال الغضب زال البلاء واما ما دام البلاء موجودا فنعرف من ذلك ان الغضب لا زال موجودا وليس لنا استحقاق زواله. والبلاء في الدنيا كثير الا انه في محل حديثنا هو خفاء قبر الزهراء (سلام الله عليها) وخفاء شخص المهدي (سلام الله عليه). وهذا معناه اننا لا زلنا على مستوى القصور والتقصير والذلة امام الله سبحانه وتعالى حتى سيد محمد الصدر انا لا اقصد غيري وانما الجميع هكذا جيلا بعد جيل حتى الحوزة العلمية حتى اكابر الحوزة العلمية خلِّ واحد منهم يدل على قبر الزهراء يقينا او يعرفك بشخص المهدي يقينا، اقل من ذلك واحقر حتى سيد محمد الصدر.
وهذا معناه اننا لا زلنا على مستوى القصور والتقصير والذلة امام الله سبحانه وعدم استحقاق الرحمات الخاصة لا استثني من ذلك احدا من البشر كائنا من كان. وهذا ما يستدعي فينا مزيد الحذر واليقظة ومراقبة الله في الصغيرة والكبيرة وفي كل نفس كما تقول الحكمة (خف الله كانك تراه فان لم تكن تراه فهو يراك) لعلنا بالتدريج نصل الى المستوى الالهي المطلوب.
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا
الجمعة الرابعة والعشرون 3 جمادي الثاني 1419
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
توكلت على الله رب العالمين
وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم. الله لا اله الا هو الحي القيوم لا تاخذه سنة ولا نوم. الله لا اله الا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء. لا اله الا هو العزيز الحكيم. شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط. لا اله الا هو العزيز الحكيم. ان الدين عند الله الإسلام، ان هذا لهو القصص الحق وما من اله الا الله وان الله لهو العزيز الحكيم. الله لا اله الا هو ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه ومن اصدق من الله حديثا. لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من اله الا اله واحد وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب اليم. ذلكم الله ربكم لا اله الا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل. اتبع ما اوحي اليك من ربك لا اله الا هو واعرض عن المشركين.
اللهم صل على محمد وال محمد. اللهم صل على المصطفى محمد، والمرتضى علي والزهراء فاطمة والمجتبى الحسن والشهيد الحسين والسجاد علي والباقر محمد والصادق جعفر والكاظم موسى والرضا علي والجواد محمد والهادي علي والعسكري الحسن والحجة الهادي المهدي ائمتي وسادتي وقادتي بهم اتولى ومن اعدائهم اتبرأ في الدنيا والاخرة.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
ولأي الامور تدفن ليلا ولاي الامور يعفى ثراها
نعود الى التساؤل عن ذلك. وحسب فهمي، ان افضل اطروحة في الجواب في سبب كتمان مدفن الزهراء (سلام الله عليها) هو ان نعرف شيئا من شأن الزهراء (سلام الله عليها)، لكي نستنتج النتيجة بسهولة ولو كاطروحة على اية حال وليس كأمر بتي – كل واحد وقناعته على اي حال - اطروحة انا اعرضها امامكم وعلى مسامعكم. وذلك ان من يبذل لها اية خدمة حقيقية، او نفع حقيقي مخلص لا يمكن ان يدخل النار، تكون هي شفيعته وتفطمه من النار (سلام الله عليها) لانها بضعة المصطفى الاكرم وقلبه الذي بين جنبيه. وهذا له مثالان – سامعيهه؟ ، على كل حال اني اكولهه - :
المثال الاول: ان شخصا من الصحابة – طبعا المصادر صعب الحصول عليها بس انا انقل لكم عن حفظي - صادف ان سقطت قطرة من دم رسول الله (صلى الله عليه واله) في بعض الغزوات على يده فلطعها وبلعها ثم سأل رسول الله (صلى الله عليه واله) في ذلك فقال له ما مضمونه: بئس ما فعلت ، هذا حرام - موزين سوّيت - ولكن قد حرم الله جسدك على النار. فلا يمكن ان تدخل تلك القطرة التي هي جزء من النبي (صلى الله عليه واله) الى النار بكل صورة.
المثال الثاني: ما كان يقوله ابى (قدس سره) وكان يقول: انه معروف بين المتشرعة وذلك – شنهي الفكرة ؟- ان من قتله رسول الله (صلى الله عليه واله) بسيفه مباشرة يذهب الى الجنة ، لا يذهب الى النار كائنا من كان لبركة سيف رسول الله (صلى الله عليه واله) وهذه الخصوصية غير موجودة لغيره شخصيا حتى امير المؤمنين (سلام الله عليه). ومن هنا لم يقتل رسول الله (صلى الله عليه واله) بشخصه احدا اطلاقا وانما كان المحارب الرئيسي والاهم بين يدي الرسول هو علي (عليه الصلاة والسلام). ومن قُتِل بسيف علي يذهب الى جهنم لكفره وسوء عمله. ومن هنا كان يقتل رسول الله (صلى الله عليه واله) الكفار بسيف علي ويد علي لا بسيفه الشخصـي وعملـه الشخصـي، مع انه لا يحتمل – لاحظوا ، وهذا قلما يفهمه الناس - ان يكون اقل شجاعة من علي.
علي شجاع البشرية وشجاع الخلق ،لا يحتمل ان يكون النبي اقل شجاعة من علي من حيث ما نعرف ان مقتضى القاعدة ان الافضل متصف بصفات الأدنى مع زيادة ولا شك ان النبي (صلى الله عليه واله) افضل من امير المؤمنين ، اذن فهو متصف بصفات امير المؤمنين مع الزيادة وهي النبوة والرسالة. اذن فهو شجاع مثل امير المؤمنين (سلام الله عليه). هذا الذي قال لاعدائه : (لو وضعوا الشمس الى يميني والقمر الى شمالي لأتنازل عن هذا الامر ما تنازلت عنه) – مضموناً ، هذا جاي ناطي نفسه كلهه لله -
اذن فهذا النحو من البركات الخاصة موجودة احيانا – البركات الخاصة شنو ؟ - ان من يقتله النبي يذهب الى الجنة ، ينال بركة خاصة. ومن يذوق دم النبي (صلى الله عليه واله) يذهب الى الجنة. اذن فهذا النحو من البركات الخاصة موجودة احيانا وان كانت غير معروفة ولا صريحة بين الناس وخاصة بالنسبة الى النبي. ومن الممكن – لاحظوا - ثبوت نحو ذلك من الصفات للزهراء (سلام الله عليها) وخاصة بعد ان نلتفت الى انها قلب النبي (صلى الله عليه واله) وروح النبي التي بين جنبيه، حقيقة لا مجازا كما قلنا في بعض الخطب السابقة. ومعنى ذلك ان امثال هذه البركات تكون منجية من النار على كل حال ، من ينالها لا يدخل جهنم حتى لو كان الفرد فاسقا او كافرا.
ويبدو بوضوح ان اهل البيت (سلام الله عليهم) كانوا يلاحظون ذلك ويحولون دون حصول ذلك بالنسبة الى طبقة من المنافقين والمعاندين واضرابهم، ومن الذين يستحقون الذهاب الى النار على كل حال ، فما يخلوهم شنو؟ يزورون قبر الزهراء ، لانه مجهول ، فيذهبون الى النار اعتيادي هاذاهو .
كما يبدو بوضوح _لو صح التعبير_ ان الله تعالى كان يلاحظ ذلك ايضا فيسلب التوفيق في قضاءه وقدره عن كل من يستحق دخول النار من امثال هذه الاسباب – يعني يحجب عنهم - المتبركة الشريفة. ومن هنا لم نجد ولم يرد في التاريخ ان شخصا منافقا أو كافرا وفّق – ماكو - الى اي نفع حقيقي مخلص لهم (سلام الله عليهم) وكيف يكون نفعا مخلصا مع وجود النفاق والكفر في قلبه ؟ بل من الممكن القول انه لم يقم بذلك احد من هذه الطبقات على الاطلاق، اعني بعمل يستحق به الجنة على كل حال.
ولا يبعد القول انه من الواجب على اهل البيت (عليهم السلام) من الله سبحانه وتعالى ان يحولوا دون حصول ذلك لاي احد لا يستحقه. فكان من جملة تطبيقاته نفع الزهراء (سلام الله عليها) بتغسيل او تكفين او تشييع او دفن. ومن هنا مُنِع ذلك منعا باتا لكي لا يستحق الجنة من هذه الناحية من لا يستحقها من الجهات الاخرى بل عليه ان ياخذ حسابه كاملا يوم القيامة.
ومن المعلوم ان المنع بمعنى النهي عن الحضور- يابه لا تجون ! ، ما يفيد لا تجون ، يجون هُمَّ على كل حال - سوف لن يكون مفيدا، ولا مؤثرا لانهم سوف يعصون هذا النهي -هم فسقة وغير مطيعين ويجون على كل حال – ويحضرون على كل حال بعنوان كونهم يريدون القيام بهذا الامر الجليل دينيا واجتماعيا والمربوط ببنت رسول الله (صلى الله عليه واله). ومن هنا لن يمكن منعهم اذا كانوا يعرفون موعد التشييع او اذا حصل التشييع في النهار.
فكان لابد ان تكون كلتا هاتين النقطتين نافذتين ومؤثرتين:
احداهما : جهل المجتمع بموعد تشييع الزهراء (عليها السلام)، لانه لو عرفوا موعده ولو ليلا لجاؤوا اليه على كل حال.
وثانيا: ان يكون التشييع ليلا، لانهم لو فعلوا ذلك بالنهار ولو بدون موعد سابق، اذن لحضر الكثيرون. فكان لابد للتشييع والدفن ان يكون ليلا وان يكون على حين غفلة من الناس، لكي يُحرمْ المنافقون واضرابهم من ثوابه العظيم واستحقاق الجنة على اساسه.
وهذا ما حصل فعلا - سوّاه امير المؤمنين (سلام الله عليه) - وقد خطط امير المؤمنين (عليه السلام) في تفكيره ذلك. وذلك انه اجتمع الناس على الباب بعد ان علموا بوفاة الزهراء (سلام الله عليها)، فامر علي (عليه السلام) أبا ذر رضوان الله عليه ان يخرج الى القوم ويقول لهم انه قد اُجِّل اخراجها الليلة – روحوا لبيتكم احسن الكم - وهذا واضح في عدم اعطاء موعد محدد للتشييع، كما انه غير واضح في انها هل تشيع غدا او في هذه الليلة او في الليلة التي بعدها او تؤجل ثلاثة ايام، لا احد يعلم. وان فهم الحاضرون هذا المعنى غفلة منهم انه باجر ، لا هو ماكال باجر حبيبي ، ما معلوم شوكت ، غفلة منهم عن احتمال تشييعها في عمق الليل البهيم.
فهذا هو الحال بالنسبة – لاحظوا – الى حضور تغسيلها وتشييعها ودفنها (سلام الله عليها)، وهو امر خاص بالجيل المعاصر لذلك العصر بكل تاكيد – احنه وسائر الاجيال ما كنا حبيبي - واما زيارة قبرها الشريف التي هي مربوطة بالاجيال جميعها بما فيها جيلنا الحاضر فمن الواضح انها تنطبق عليها الاطروحة نفسها. وهي ان زيارة قبرها سبب لدخول الجنة على كل حال.
ويمكن ان يكون ذلك خصوصية لها او خصوصية بها دون ابيها وزوجها – لها فقط -بالرغم من انهم كانوا من نور واحد الا ان العطاء الالهي الظاهر والباطن قد يختلف في الاشخاص بكل تاكيد وكل واحد من المعصومين له مزية. فالزهراء (سلام الله عليها) لها عدة مزايا منها هذا المعنى. وقد عرفنا ان الله يحول دون ذلك كما ان اهل البيت (سلام الله عليهم) يحولون دونه حسب استطاعتهم. بل هم مكلفون بالتسبيب الى منع ذلك ممن لا يستحق – اي زيارة قبر فاطمة سلام الله عليها –
ومن الواضح ان الاجيال كلها – مبين حينئذٍ بوضوح ، سبحان الله - ان الاجيال كلها لا تستحق هذه النعمة الخاصة وانما ينبغي لكل منا ولكل من المؤمنين والمنافقين ان ياخذوا حسابهم وجزائهم الكامل لا ان تتعين لهم الجنة بدون حساب. ومن هنا اخفى امير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام) قبرها الشريف حسب هذه الاطروحة. ودافع امير المؤمنين عن ذلك دفاع المستميت حسب ما تروي الروايات وبقي الخفاء مستمرا الى الان وسيستمر الى ان يقضي الله ما هو قاض.
وهناك اطروحة اخرى محتملة لخفاء قبرها، وهو – لاحظوا - اقتران خفاء قبرها بانسحاب الحكم الالهي الحق عن المجتمع، او قل بانسحاب حكم المعصومين (عليهم السلام) عن المجتمع، وتمكنهم من التصرف فيه. فكان اخفاء قبر المعصومة الزهراء (سلام الله عليها) عقوبة للمجتمع في منعه لحكم المعصومين (سلام الله عليهم)، او الاعانة على منعه - الذي هو معناه شنو؟ - منعه لخلافة امير المؤمنين (عليه السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه واله)). ويبقى وسوف يبقى هذا الخفاء مستمرا مادام حكم الله في الارض منسحبا ومتقلصا بما فيها هذا الجيل واي جيل. وانما يتحقق الحكم الالهي الكامل بظهور المهدي (عجل الله فرجه)، وسيطرته على الكرة الارضية فيملؤها قسطا وعدلا بعد ان ملئت ظلما وجورا.
لا يبقى الا اشكال واحد مع جوابه وهو ان امير المؤمنين قد وصلت اليه الخلافة والسلطنة الدنيوية بعد الخلفاء الثلاثة الذين حكموا قبله. فكان حكمه (عليه السلام) حكم المعصومين لانه منهم طبعا وسيدهم (سلام الله عليه)، حينئذ نقول : فاذا كان خفاء قبر الزهراء عليها السلام منوطا بانسحاب حكم المعصومين اذن فقد حصل حكمهم متمثلا بحكم امير المؤمنين وهو بعد وفاة الزهراء بسنوات. فكان عليه حين جاء الى دست الحكم ان يظهر قبرها بعد الخفاء ؟. ويجاب على ذلك باكثر من جواب واحد:
الجواب الاول: ان المقصود من الحكم الالهي استتباب السيطرة العادلة الكاملة على المجتمع بحيث يصدق انه يملؤها قسطا وعدلا. ومن الواضح ان هذا لم يتيسر لأمير المؤمنين (سلام الله عليه) خلال خلافته. وانما ابتلي بالمعارضين والحروب طيلة مدة حكمه في حروب الجمل وصفين والنهروان. فلم يكن المجتمع مستتبا على العدل لا في داخل المدينة المنورة ولا في خارجها، ولا في داخل الكوفة ولا في خارجها، لكي يكون السبب او الشرط لاظهار قبر الزهراء حاصلا ومتوفرا ومتحققا.
الجواب الثاني: إنه اي امير المؤمنين (سلام الله عليه) يعلم ان حكمه وخلافته مؤقتة ومحدودة ببعض السنين وسيزول سريعا نسبيا حكمه المتمثل بحكم المعصومين ، وسيعود الحكم الى الظالمين والغاصبين. وعلمه بذلك ليس بالبعيد بعد ان نعرف انه اخبر (وفي نهج البلاغة موجود) بحصول ملك بني امية واخبر بحصول ملك بني العباس واخبر بحصول ملك الحجاج الثقفي وما يفعل من المقتلة في المؤمنين وغير ذلك – اخبر عنه - فلماذا نستبعد انه لا يعلم ان ملكه وسيطرته الفعلية محدودة ببعض السنين ؟ يعلم طبعا (سلام الله عليه). وعلى اي حال سيبقى الحكم العادل الالهي منسحبا عن المجتمع فترة طويلة جدا من الزمن لا يعلمها الا الباري سبحانه وتعالى. فاذا اظهر امير المؤمنين (عليه السلام) قبرها الشريف خلال خلافته وسيطرته فسوف لن يكون اخفائه بعد ذلك ممكنا - ينكشف للناس وما يكدر يستره - وسوف يحصل المجتمع على ما لا يستحقه من ذلك من الرحمة الخاصة.
نعم حين يستتب العدل الالهي الكامل على وجه الارض بشكل يكون مضمون الاستمرار ما دامت البشرية بارادة الله تعالى وحسن تسديده وتوفيقه، وذلك عند ظهور المهدي (عليه افضل الصلاة والسلام). ومعنى ذلك انه من الراجح ان الامام المهدي (عليه السلام) سيقوم باظهار قبرها الشريف ويدل المجتمع عليه، على ان ذلك لم يرد في الادلة على اي حال.
وهنا ينبغي ان تكون لنا وقفة مختصرة وبسيطة في المقارنة بين هاتين الاطروحتين اللتين طرحناهما الان لسبب خفاء قبر الزهراء (سلام الله عليها) وذلك بالنظر الى نتائجهما. فان نتيجة هذه الاطروحة الاخيرة ان الامام المهدي (عليه السلام) سوف يدل المجتمع على قبرها بعد زوال المانع عن ذلك واستتباب السيطرة الحقيقية لله ولاولياء الله على كل البشرية. واما اذا اخذنا بالاطروحة الاولى فقد يكون – لاحظوا - الامر متعذرا حتى في ذلك الحين، لان اجيال المجتمع كلها بما فيها الاجيال المعاصرة لحكم الامام المهدي (سلام الله عليه) ودولته ينبغي ان تكون اعتيادية من ناحية الحساب والعقاب لا ان تكون افرادها مستحقة لدخول الجنة بغير حساب لأجل زيارتهم قبر الزهراء (سلام الله عليها). ومن ثم ينبغي ان يبقى قبرها مخفيا حتى بعد الظهور.
نعم لو تحققت الاطروحة التي ذكرناها في موسوعة الامام المهدي (عليه السلام) من وجود المجتمع المعصوم بعد ردح طويل بعد الظهور. امكن القول ان ذلك الزمان هو الزمان المناسب لكشف موضع قبرها (سلام الله عليها) لان اغلب افراد المجتمع في ذلك الحين يكونون معصومين بالعصمة الثانوية طبعا وليس الاولية، ومستحقين لدخول الجنة على اي حال وبدون حساب. واما من يستحق منهم الحساب والعقاب والعتاب، وهم قلة في ذلك الحين، فمن الممكن القول انهم لا يوفقون طول عمرهم لزيارة قبرها الشريف لكي لا تكون لهم تلك المزية المهمة.
تبقى الاشارة الى نقطة بسيطة جدا وهي ان هذه الاطروحة (اي ان زيارة قبرها موجبة للحصول على الجنة بدون حساب) للزيارة عن قرب بان تجلس الى جنب قبرها وتزور، لا للزيارة عن بعد. لان اي واحد وفي اي جيل من الاجيال يستطيع ان يزور عن بعد – اعتيادي - ولكن الزيارة عن بعد لا تتضمن هذه النتيجة وهو دخول الجنة بغير حساب.
قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا احد *