عرض مشاركة واحدة
قديم 22-03-2012, 12:54 AM   #28

 
الصورة الرمزية ابو علي

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 32
تـاريخ التسجيـل : Oct 2010
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق
االمشاركات : 10,104

افتراضي رد: هنا جميع خطب السيد الشهيد مكتوبة

الجمعة الثامنة والعشرون \ 2 رجب 1419 هـ
الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
أعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
قفوا جميعاً رجاءً ، وجوهكم الى القبلة رجاءً ، أنا سوف أقرأ الدعاء ، وقولوا بعد كل فقرة ( يا كريم يا رحيم ) :
بسم الله الرحمن الرحيم
أرفعوا أيديكم للدعاء :
يا مَنْ تُحَلُّ بِهِ عُقَدُ الْمَكارِهِ، وَيا مَنْ يُفْثَأُ بِهِ حَدُّ الشَّدائِدِ، وَيا مَنْ يُلْتَمَسُ مِنْهُ الَمخْرَجُ اِلى رَوْحِ الْفَرَجِ، ذَلَّتْ لِقُدْرَتِكَ الصِّعابُ، وَتَسَبَّبَتْ بِلُطْفِكَ الأسْبابُ، وَجَرى بِقُدْرَتِكَ الْقَضاءُ، وَمَضَتْ عَلى اِرادَتِكَ الأشْياءُ، فَهِيَ بِمَشِيَّتِكَ دُونَ قَوْلِكَ مُؤْتَمِرَةٌ، وَبِإِرادَتِكَ دُونَ نَهْيِكَ مُنْزَجِرَةٌ، اَنْتَ الْمَدْعُوُّ لِلْمُهِمّاتِ، واَنْتَ الْمَفْزَعُ في المُلِمّاتِ، لا يَنْدَفِعُ مِنْها اِلاّ ما دَفَعْتَ، وَلا يَنْكَشِفُ مِنْها اِلاّ ما كَشَفْتَ، وَقَدْ نَزَلَ بي يا رَبِّ ما قَدْ تَكأَّدَني ثِقْلُهُ، وَاَلَمَّ بي ما قَدْ بَهَظَني حَمْلُهُ، وَبِقُدْرَتِكَ اَوْرَدْتَهُ عَلَيَّ، وَبِسُلْطانِكَ وَجَّهْتَهُ اِلَيَّ، فَلا مُصْدِرَ لِما اَوْرَدْتَ، وَلا صارِفَ لِما وَجَّهْتَ، وَلا فاتِحَ لِما اَغْلَقْتَ، وَلا مُغْلِقَ لِما فَتَحْتَ، وَلا مُيَسِّرَ لِما عَسَّرْتَ، وَلا ناصِرَ لِمَنْ خَذَلْتَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وآلِهِ، وَاْفْتَحْ لي يا رَبِّ بابَ الْفَرَجِ بِطَولِكَ، وَاكْسِرْ عَنّي سُلْطانَ الْهَمِّ بِحَوْلِكَ، وَاَنِلْني حُسْنَ النَّظَرِ فيـما شَكَوْتُ، وَاَذِقْني حَلاوَةَ الصُّنْعِ فيـما سَاَلْتُ ، وَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمةً وَفَرجاً هَنيئاً، وَاجْعَلْ لي مِنْ عِنْدِكَ مَخْرَجاً وَحِيّاً، وَلا تَشْغَلْني بِالاْهتِمامِ عَنْ تَعاهُدِ فُرُوضِكَ، وَاسْتِعْمالِ سُنَّتِكَ فَقَدْ ضِقْتُ لِما نَزَلَ بي يا رَبِّ ذَرْعاً، وامْتَلأتُ بِحَمْلِ ما حَدَثَ عَليَّ هَمّاً، واَنْتَ الْقادِرُ عَلى كَشْفِ ما مُنيتُ بِهِ، وَدَفْعِ ما وَقَعْتُ فيهِ، فاَفْعَلْ بي ذلِكَ وَاِنْ لَمْ اَسْتَوْجِبْهُ مِنْكَ، يا ذَا الْعَرْشِ الْعَظيمِ، وَذَا الْمَنِّ الْكَريمِ، فَاَنْتَ قادِرٌ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ، آمينَ رَبَّ الْعالَمينَ.
أعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
إلهِي أَصْبَحْتُ وَأَمْسَيْتُ عَبْداً دَاخِراً لَكَ، لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إلاَّ بِكَ أَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِي وَأَعْتَـرِفُ بِضَعْفِ قُـوَّتِي وَقِلَّةِ حِيْلَتِي فَأَنْجزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي،
وَتَمِّمْ لِي مَا آتَيْتَنِي; فَإنِّي عَبْـدُكَ الْمِسْكِينُ الْمُسْتكِينُ الضَّعِيفُ الضَّـرِيـرُ الذَّلِيلُ الْحَقِيرُ الْمَهِينُ الْفَقِيرُ الْخَائِفُ الْمُسْتَجِيرُ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَلاَ تَجْعَلْنِي نَاسِيَاً لِذِكْرِكَ فِيمَا أَوْلَيْتَنِي، وَلاَ غافِلاً لإحْسَانِكَ فِيمَا أَبْلَيْتَنِي، وَلا آيسَاً مِنْ إجَابَتِكَ لِي وَإنْ أَبْطَأتَ عَنِّي فِي سَرَّاءَ كُنْتُ أَوْ ضَرَّاءَ، أَوْ شِدَّة أَوْ رَخَاء، أَوْ عَافِيَة أَوْ بَلاء، أَوْ بُؤْس أَوْ نَعْمَاءَ، أَوْ جِدَة أَوْ لأوَاءَ، أَوْ فَقْر أَوْ غِنىً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاجْعَلْ ثَنائِي عَلَيْكَ وَمَدْحِي إيَّاكَ وَحَمْدِي لَكَ فِي كُلِّ حَالاَتِي حَتَّى لاَ أَفْرَحَ بِمَا آتَيْتَنِي مِنَ الدُّنْيَا، وَلاَ أَحْـزَنَ عَلَى مَا مَنَعْتَنِي فِيهَا، وَأَشْعِرْ قَلْبِي تَقْوَاكَ، وَاسْتَعْمِلْ بَدَنِي فِيْمَا تَقْبَلُهُ مِنِّي، وَاشْغَلْ بِطَاعَتِكَ نَفْسِي عَنْ كُلِّ مَايَرِدُ عَلَىَّ حَتَّى لاَ اُحِبَّ شَيْئَاً مِنْ سُخْطِكَ، وَلا أَسْخَطَ شَيْئـاً مِنْ رِضَـاكَ.أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَفَرِّغْ قَلْبِي لِمَحَبَّتِكَ ، وَاشْغَلْهُ بِذِكْرِكَ، وَانْعَشْهُ بِخَوْفِكَ ، وَبِالْوَجَلِ مِنْكَ، وَقَوِّهِ بِالرَّغْبَةِ إلَيْكَ، وَأَمِلْهُ إلَى طَاعَتِكَ، وَأَجْرِ بِهِ فِي أَحَبِّ السُّبُلِ إلَيْكَ،وَذَلِّلْهُ بِالرَّغْبَةِ فِيمَا عِنْدَكَ أَيَّامَ حَيَاتِي كُلِّهَا، وَاجْعَلْ تَقْوَاكَ مِنَ الدُّنْيَا زَادِي، وَإلَى رَحْمَتِكَ
رِحْلَتِي، وَفِي مَرْضَاتِكَ مَدْخَلِي. وَاجْعَلْ فِي جَنَّتِكَ مَثْوَايَ، وَهَبْ لِي قُوَّةً أَحْتَمِلُ بِهَا جَمِيعَ مَرْضَاتِكَ، وَاجْعَلْ فِرَارِي إلَيْكَ، وَرَغْبَتِي فِيمَا عِنْدَكَ، وَأَلْبِسْ قَلْبِي الْوَحْشَةَ مِنْ شِرارِ خَلْقِكَ. وَهَبْ لِي الأُنْسَ بِكَ وَبِأَوْلِيَـآئِكَ وَأَهْلِ طَاعَتِكَ، وَلاَ تَجْعَلْ لِـفَاجِـر وَلا كَافِر عَلَيَّ مِنَّةً، وَلاَ لَـهُ عِنْدِي يَداً، وَلا بِي إلَيْهِمْ حَاجَةً، بَل اجْعَـلْ سُكُـونَ قَلْبِي وَاُنْسَ نَفْسِي وَاسْتِغْنَـائِي وَكِفَايَتِي بِكَ وَبِخِيَـارِ خَلْقِكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاجْعَلْنِي لَهُمْ قَـرِيناً، وَاجْعَلْنِي لَهُمْ نَصِيْراً، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِشَوْق إلَيْكَ، وَبِالْعَمَلِ لَكَ بِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ، وَذَلِكَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ . أتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .
غدا يوم الذكرى السنوية لاستشهاد الامام الهادي (عليه السلام)فيحسن جدا ان لا ننسى بعض مآثره وفواضله في هذه الجمعة اذكر لكم الان حادثة اشخاصه الى سامراء مع شيء من التحليل ، سامراء التي بقي فيها إلى ان قتل مظلوما مسموما وفيها مدفنه، ومدفن ولده الامام الحسن العسكري (عليهما السلام)وغيبة حفيده الإمام المهدي (عليه السلام) وشى عبد الله بن محمد، الذي كان يتولى الحرب والصلاة بمدينة الرسول المنورة،وشى بالأمام الهادي (عليه السلام)وكان يقصده بالأذى( رجل ناصبي ووالي على المدينة من قبل الدولة العباسية )فبلغ الإمام (عليه السلام) خبر وشايته فكتب إلى المتوكل العباسي يذكرتحامل عبد الله بن محمد عليه وكذبه فيما سعى به فنرى كيف ان عبد الله بن محمد هذايمثل خط الدولة يومئذ من الفزع من نشاط الإمام (عليه السلام) وتصرفاته وكيف وصل به الحال إلى ان يرسل إلى المتوكل العباسي(الذي كان في ذلك الحين عصر خلافته)يوصل الى المتوكل العباسي بخبره بعنوان كونه حريصا على مصالح الدولة ومنتبها إلى مواطن الخطر بها ومتقربا إلى الدولة بذلك. كما نرى الحال باستمرار على ذلك ولعله التفت إلى بعض النشاطات المهمة التي كان يقوم بها الإمام (عليه السلام) بعيدا عن اعين الدولة والسلطات فأوجس منها خيفة حدت به إلى هذه الوشاية الا ان المتوكل العباسي كان يعلم بكل وضوح عدم امكان الحصول على اي مستند ضد الإمام (عليه السلام) فان الائمة المعصومين (عليهم السلام) كان لهم اساليب من الرمزية والاخفاء يمكنهم من خلالها وبتأييد من الله سبحانه القيام بجملة من جلائل الاعمال بدون ان يعرف احد، - كما تدل عليه سياقات كثيرة من الروايات ولعل اهم اساليب الاخفاء هو تصديه إلى تكذيب الخبر الذي وشى به عبد الله بن محمد برسالة يرسلها إلى المتوكل العباسي نفسه يكذب فيها التهمة وينفي عن نفسه صفة التآمر ضد الدولة فإن نشاطه (هو صادق فيما يقول طبعا) فان نشاطه كان مقتصرا في الدفاع عن مواليه وقواعده الشعبية وشيعته وتدبير امورهم الدينية والدنيوية وليس له ضد الدولة اي عمل باعتباره غير مجدي ومخالف للحكمة والمصلحة في ذلك الحين وان كان قد اوجب عمله توهم عبد الله بن محمد بذلك والمتوكل العباسي هو من عرفه الجميع بموقفه المتزمت ضد الإمام (عليه السلام) وكل من يمت اليه بنسب أو عقيدة لاحظوا وهو الذي قام بأمر حرث قبر الحسين (عليه السلام) وتسليط الماء عليه- لأجل اخفاءه بعنوان جعله مزرعة اعتيادية غير ان الله سبحانه وتعالى كشف تلك المؤامرة النجسة حيث ان الماء حينما وصل إلى قرب قبر الحسين (عليه السلام)، حار ودار حوله ولم يدخل فيه ولم يغطه وبقيت منطقة في الوسط جافة وسمي من ذلك الحين بالحائر الحسيني واصبح مشمولا لحكم معين في الشريعة-وهو جواز الصلاة تماما للمسافر في تلك المنطقة وهذا يفتون به والى الان وهذا الحال ـ لاحظوا سبحان الله ـ وهذا الحال موجود إلى الان بالنسبة إلى المياه الباطنية وتستطيعون ان تسألوا اهل المعرفة والاختصاص فان المياه الباطنية بالرغم لاحظوا- بالرغم من سيطرتها على منطقة كربلاء كلها لاتصل إلى قبر الحسين ولا إلى قبر العباس (عليهما السلام) بل نجد ان منطقة القبر جافة تماما ومن الممكن التأكد من ذلك اذن ماذا نتوقع ان يكون موقف المتوكل العباسي من الإمام الهادي (عليه السلام) ومن كل من ينتمي اليه من نسب أو سبب الا شيء من هذا القبيل طبعا وما كان استقدامه واشخاصه(الامام) إلى سامراء الا تطبيقا لمؤامرة قديمة طبقت من قبل الخلفاء العباسيين السابقين عليه على جملة من المعصومين السابقين اشهرها تطبيق المأمون العباسي لنفس الفكرة على الإمام الرضا (عليه السلام) حيث استقدمه إلى بلدته التي كان يسكن فيها وجعل له دارا إلى جنب داره وكان بين الدارين باب يمكن للخليفة نفسه ان يدخله في اية لحظة من ليل أو نهار، يمكن للخليفة نفسه ان يدخله في اية لحظة من ليل أو نهاروكل ذلك للتقليل من نشاط الإمام (عليه السلام)وفصله عن قواعده الشعبية ومواليه وجعله تحت الرقابة المكثفة ليس من قبل الجلاوزة والموظفين فقط، بل من قبل الخليفة نفسه بعنوان المزيد من الصداقة والصلة وإنا لله وإنا اليه راجعون كل ما في الامر من الفرق ان المأمون كان في خراسان فاستدعى الامام الرضا عليه السلام) الى خراسان ايضا لوشاية لحقت به من قبل بعض النواصب المتزلفين للدولة حينئذ فكذلك الحال في الامام الهادي (عليه السلام) من حيث ان الوشاية هي نفسها او بمنزلتها غير ان البلدة كانت خراسان والان هي سامراء- وكلاهما (سلام الله عليهما) بقيا في البلدة بقية حياتهما الى ان قتلا مظلومين ودفنا في نفس تلك البلدة فأصبحت بذلك خراسان عتبة مقدسة مباركة وجليلة كما اصبحت سامراء عتبة مقدسة مباركة وجليلة مع فرق واحد وهو ان المعصوم المدفون في خراسان واحد والمعصوم المدفون في سامراء اثنين ومن هنا اكتسبت منطقة وسط العراق وجنوبه اهمية دينية عالية جدا لأنها مسكن ومدفن لسبع من الائمة المعصومين (عليهم السلام) هم امير المؤمنين (عليه السلام) والحسين (عليه السلام) والكاظم والجواد (عليهما السلام) والهادي والعسكري (عليهما السلام) .
ومحل غيبة الامام المهدي (سلام الله عليه وعجل الله فرجه) وهو فخر للمنطقة لم تنله اية منطقة في العالم كله بل لعله في الكون كله فاذا اضفنا الى ذلك ان هذه المنطقة عموما والكوفة خصوصا لاحظوا والكوفة خصوصا هي منطقة الحكم الرئيسي والمباشر لاثنين من المعصومين المبسوطي اليد والمتمكنين اجتماعيا وهما الامام امير المؤمنين في الماضي والامام المهدي في المستقبل اذن نعرف الفضل للمنطقة التي تسكنون فيها، والتي نسكن فيها ونعرف النعمة من الله سبحانه في انه جعلنا بها، وجعل الحوزة الشريفة فيها فينبغي من هذه الناحية ان نكون على مستوى المسؤولية من طاعة الله سبحانه وتعالى واداء حق المعصومين (عليهم السلام مهما كان ) وعلى اية حاليرسل المتوكل العباسي الى الامام جواب رسالته بكل لباقة وتلطف ظاهري من حيث ان الرسالة تحتوي على اجلاله واعظام منزلته ويعترف بها المتوكل ببراءة الامام (عليه السلام) من التهم وبصدق نيته ويوعز فيها بعزل عبد الله بن محمد عن منصبه بالمدينة ويدّعي المتوكل العباسي في الرسالة الاشتياق الى الامام-ويدعوه ان يشخص الى سامراء مع من اختار من اهل بيته ومواليه وهذا الطلب وان صاغه المتوكل بصيغة الرجاء الا انه هو الالزام بعينه فان الامام (عليه السلام) ان لم يذهب حيث امره يكون قد اثبت تلك التهمة على نفسه واعلن العصيان ضد الخلافة وبالاصطلاح الحديث ضد الدولةوكلاهما مما لا تقتضيه سياسة الامام (عليه السلام) وقناعته في ذلك الحين واما عام سفره فهذا قد ذكر في الارشاد للشيخ المفيد (قدس الله روحه الزكية)، ان الرسالة مؤرخة بجمادي الاخرة سنة ثلاث واربعين ومائتين للهجرة طبعا واعطى المتوكل رسالته هذه الى احد صنائعه وموظفيه يحيى بن هرثمة ليسلمها الى الامام (عليه السلام) في المدينة المنورة يسافر من سامراء الى المدينة المنورة ليسلم هذه الرسالة وامره باستقدامه الى سامراء فاسمعه يقول في روايته للحادثة: فلما صرت اليها (يعني المدينة المنورة) ضج اهلها وعجوا ضجيجا وعجيجا ما سمعت مثله فجعلت اسكّتهم واحلف لهم اني لم اؤمر به بمكروه وفتشت بيته فلم اجد فيه الا مصحفا ودعاءً وما اشبه ذلك لاحظ (هذا الشوق والاشتياق الذي يدعيه مع انه منضم الى قضية تفتيش البيت)عداوة صريحة فنعرف من ذلك مدى اخلاص اهل المدينة المنورة لأمامهم {علية السلام}وحرصهم الشديد عليهومدى تأثيره الحسن فيهمولم يكن هذا الضجيج الكبير منهم الا لمعرفتهم بوضوح سوء نية السلطات تجاه الإماموابتغائها الدوائر ضده فكان تأسفهم وتأوههم ناشئا من امرين حسب فهمنا :
الامر الاول :
انقطاعهم عن الامام وفراقهم له أذا تركهم وذهب الى سامراء وحرمانهم بالتالي من ارشاداته والطافه ونشاطه الاسلامي البناء وهذا ما اراده المتوكل فعلا وقد حصل بالفعل بسفر الامام (عليه السلام) فانه لم يعد الى المدينة المنورة بعد ذلك اطلاقا الى ان توفي
الامر الثاني :
مخافتهم (يعني أهل المدينة) مخافتهم على حياته لاحتمال قتله عند وصوله الى العاصمة العباسية وهذا هو الذي فهمه يحيى بن هرثمة من الضجيج وحاول ان لا يفهم غيره اي معنى آخر فحلف لهم انه لم يؤمر فيه بمكروه اي بقتل ولم يثن الضجيج هذا الرجل الجلواز عن غرضه السياسي بالتجسس ففتش دار الامام (عليه السلام) بالمقدار الذي حلى له وليس له دين ولا ورع لان ذلك يكون من تصرفه بأموال غيره بدون رضاه اذن فمن الاول هي خطوة واضحة للعداوة فلم يجد فيه اية وثيقة تدل على التمرد او الخروج عن النظام العباسي وبذلك يكون المتوكل قد فقد اي مستمسك يؤيد ما سمعه عنه او خاف منه (واستطاع الامام ان يحافظ على الكتمان وعلى السلبية الظاهرية )وخرج الامام الهادي (عليه السلام) مصاحبا لولده الامام العسكري (عليه السلام) وهو صبي طبعا، وعائلته ايضا معه مع ابن هرثمة متوجها الى سامراءوحاول ابن هرثمة في الطريق اكرام الامام واحسان عشرته وكان يرى منه الكرامات والحجج التي تدل على توليه طرف الحق وهذا فيه روايات ولكن انا اختصارا حذفتهاوتوضح لهذا الرجل الجلواز جريمته بإزعاج الامام وزعزعته والتجسس عليه وجريمة من امره بذلك ايضا ويمر الركب ببغداد من المدينة الى بغداد الى سامراء يمر ببغداد في طريقه الى سامراء فيقابل ابن هرثمة والي بغداد لان الخلافة كانت قد انتقلت الى سامراء من في بغداد؟ فيضعون واليا على بغداد وإلا فإن العاصمة الرئيسية آنذاك هي سامراء- فيقابل ابن هرثمة واليها اي الوالي الذي على بغداد وهو يومئذ اسحاق بن ابراهيم الطاهري وهو بمقتضى منصبه محل الثقة الكبرى من قبل المتوكل بحيث جعله واليا على عاصمته الثانية وقائما مقامه فيها فنرى اسحاق الطاهري يوصي ابن هرثمة بالأمام مستوثقاً من حياته قائلا له: يا يحيى تعلم ان هذا الرجل قد ولده رسول الله (صلى الله عليه واله) والمتوكل من تعلم وان حرضته على قتله كان رسول الله (صلى الله عليه واله) خصمك فيجيبه يحيى بن هرثمة- والله ما وقفت له الا على كل امر جميل ونحن حين نسمع هذا الحوار بين هذين الرجلين الذين يمثلان السلطات نفسها ويعيشان على موائدها نعرف كم وصل الحقد والتمرد على النظام القائم يومئذوكيف انه تجاوز القواعد الشعبية الى الطبقة العليا الخاصة من الحكام مواضع ثقة الخليفة، ومنفذي امره ايضا يحقدون عليه ويعرفون حقيقته كما نعرف مدى اتساع الذكر الحسن والصدى الجميل لأفعال الامام (عليه السلام) واقواله بين جميع الطبقات حتى طبقة الحكام انفسهم وماذا يستطيع والي بغداد من موقعه الرسمي ان يقول اكثر مما قال (يا يحيى ان هذا الرجل قد ولده رسول الله (صلى الله عليه واله) والمتوكل من تعلم وان حرضته على قتله، كان رسول الله خصمك ( اي يوم القيامة طبعا وواضح ان قوله (والمتوكل من تعلم) اختصار لتفاصيل كثيرة مطمورة في النفوس- من المظالم العظيمة للمجتمع
قد ارادها المتوكل واسلافه للناس والحقد المتزايد على خط المعصومين (عليهم السلام) ومواليه مو حين يصل الركب الى سامراء يبدأ ابن هرثمة بمقابلة وصيف التركي وهو احد القواد الاتراك المنتفعين بالوضع القائم ويبدو انه اعظمهم واشهرهم والاتراك في ذلك الحين كانوا هم المسيطرون على المجتمع- الى حد يستطيعون ان يعزلوا الخليفة، وينصبوا غيره، ويناقشوه في اعماله حتى قال الشاعر وهي ابيات معروفة الى حد ما : خليفة في قفص بين وصيف وبغى يقول ما قالا له كما تقول الببغاء ويظهر من التاريخ، ان وصيفا هذا كان هو ألأمر رسميا على ابن هرثمة ومن هنا جعل مروره عليه بمجرد وصوله من السفر وقال له وصيف: وصيف يقول لابن هرثمة والله لئن سقطت من شعر هذا الرجل شعرة، لا يكون المطالب بها غيري يقول ابن هرثمة: فعجبت من قولهما من حيث انه لم يكن متوقعا لذلك، من معرفتهما للأمام في الجملة، وحرصهما على حياته بالرغم من مواقعهما العليا في الدولة وهذه النماذج موجودة في الدول في كثير من الازمان والاجيال ان لم تكن هي الاكثر من حيث تعلم الدولة او لا تعلم ومن حيث تريد او لا تريد يقول: وعرّفت المتوكل ما وقفت عليه وسمعته من الثناء عليه فاحسن جائزته واظهر بره وتكرمته وقد عرفنا فيما سبق ان هذا الكرم الحاتمي على الامام لم يكن من اجل حفظ حق الامام (عليه السلام) وانما كان تغطية للمنهج السياسي الذي يريد المتوكل اتّباعه وهو عزل الامام (عليه السلام)عن نشاطه وقواعده الشعبية والحذر مما قد يصدر منه من قول او فعل .
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ ﴿١﴾ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّـهِ أَفْوَاجًا ﴿٢﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴿٣﴾
صدق الله العلي العظيم

الجمعة الثامنة والعشرون \ الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
أللَّهُمَّ يَا مَنْ لا يَصِفُهُ نَعْتُ الْوَاصِفِينَ ، وَيَا مَنْ لاَ يُجَاوِزُهُ رَجَاءُ الرَّاجِينَ ، وَيَا مَنْ لاَ ضِيعُ لَدَيْهِ أَجْرُ الْمُحْسِنِينَ، وَيَا مَنْ هُوَ مُنْتَهَى خَوْفِ الْعَابِدِيْنَ، وَيَا مَنْ هُوَ غَايَةُ خَشْيَةِ الْمُتَّقِينَ. هَذا مَقَامُ مَنْ تَدَاوَلَتْهُ أَيْدِي الذُّنُوبِ ، وَقَادَتْهُ أَزِمَّةُ الْخَطَايَا ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، فَقَصَّرَ عَمَّا أَمَرْتَ بِهِ تَفْرِيطَاً، وَتَعَاطى مَا نَهَيْتَ عَنْهُ تَعْزِيراً، كَالْجاهِلِ بِقُدْرَتِكَ عَلَيْهِ، أَوْ كَالْمُنْكِرِ فَضْلَ إحْسَانِكَ إلَيْهِ، حَتَّى إذَا انْفَتَحَ لَهُ بَصَرُ الْهُدَى، وَتَقَشَّعَتْ عَنْهُ سَحَائِبُ الْعَمَى أَحْصَى مَا ظَلَمَ بِهِ نَفْسَهُ، وَفَكَّرَ فِيمَا خَالَفَ بِهِ رَبَّهُ، فَرَأى كَبِيْرَ صْيَانِهِ كَبِيْراً، وَجَلِيل مُخالفَتِهِ جَلِيْلاً، فَأَقْبَلَ نَحْوَكَ مُؤَمِّلاً لَكَ، مُسْتَحْيِيَاً مِنْكَ، وَوَجَّهَ رَغْبَتَهُ إلَيْكَ ثِقَةً بِكَ، فَأَمَّكَ بِطَمَعِهِ يَقِيناً، وَقَصَدَكَ بِخَوْفِهِ إخْلاَصَاً، قَدْ خَلاَ طَمَعُهُ مِنْ كُلِّ مَطْمُوع فِيهِ غَيْرِكَ، وَأَفْرَخَ رَوْعُهُ مِنْ كُلِّ مَحْذُور مِنْهُ سِوَاكَ، فَمَثَّلَ بَيْنَ يَدَيْـكَ مُتَضَرِّعـاً، وَغَمَّضَ بَصَرَهُ إلَى الأرْضِ مُتَخَشِّعَاً، وَطَأطَأَ رَأسَهُ لِعِزَّتِكَ مُتَذَلِّلاً، وَأَبَثَّكَ مِنْ سِرِّهِ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ خَضُوعاً، وَعَدَّدَ مِنْ ذُنُوبِهِ مَا أَنْتَ أَحْصَى لَهَا خُشُوعاً وَاسْتَغَاثَ بِكَ مِنْ عَظِيمِ مَاوَقَعَ بِهِ فِي عِلْمِكَ وَقَبِيحِ مَا فَضَحَهُ فِي حُكْمِكَ مِنْ ذُنُوب أدْبَرَتْ لَذَّاتُهَا فَذَهَبَتْ، وَأَقَامَتْ تَبِعَاتُهَا فَلَزِمَتْ، لا يُنْكِرُ يَا إلهِي عَدْلَكَ إنْ عَاقَبْتَهُ، وَلا يَسْتَعْظِمُ عَفْوَكَ إنْ عَفَوْتَ عَنْهُ وَرَحِمْتَهُ; لأِنَّكَ الرَّبُّ الْكَرِيمُ الَّذِي لا يَتَعَاظَمُهُ غُفْرَانُ الذَّنْبِ الْعَظِيم. أَللَّهُمَّ فَهَا أَنَا ذَا قَدْ جئْتُكَ مُطِيعاً لاِمْرِكَ فِيمَا أَمَرْتَ بِهِ مِنَ الدُّعَاءِ، مَتَنَجِّزاً وَعْدَكَ فِيمَا وَعَدْتَ بِهِ مِنَ الإجَابَةِ إذْ تَقُولُ (اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). أللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَالْقَنِي بِمَغْفِـرَتِكَ كَمَا لَقِيتُكَ بِإقْرَارِي وَارْفَعْنِي عَنْ مَصَارعِ الذُّنُوبِ كَمَا وَضَعْتُ لَكَ نَفْسِي وَاسْتُرْنِي بِسِتْرِكَ كَمَا تَأَنَّيْتَنِي عَنِ الانْتِقَامِ مِنِّي. أللَّهُمَّ وَثَبِّتْ فِي طَاعَتِكَ نِيَّتِيْ، وَأَحْكِمْ فِي عِبَادَتِكَ بَصِيـرَتِي، وَوَفِّقْنِي مِنَ الأَعْمَالِ لِمَا تَغْسِلُ بِهِ دَنَسَ الخَطَايَا عَنِّي، وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِكَ وَمِلَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّـلامُ إذَا تَوَفَّيْتَنِي.
أتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .
لاحظوا لو كان المتوكل العباسي الناصبي يريد حقا اكرام الامام الهادي (عليه السلام) واحترامه لما كان هذا عمله.

اولا:
لتركه في المدينة المنورة يمارس عمله الاعتيادي مهما كانت نتائجه.
ثانيا:
انه حين استقدامه إلى سامراء يخرج لاستقباله استقبالا رسميا ـ لو صح التعبير بصفته الزعيم الرئيسي والاكبر لطائفة معتد بها من المسلمين، ولم يفعل
ثالثا:
انه حين استقدمه إلى سامراء ولم يخرج لاستقباله فلا اقل ان يبادر بالأمر لإدخاله عليه والترحيب به، ولم يفعل وانما امر ان يحجب عنه الإمام يوما كاملا-زيادة في الاذلال والتنكيل.-
رابعا:
انه حين استقدمه إلى سامراء ولم يستقبله فلا اقل انه كان اعد له مكانا يأوي اليه ودارا معتدا بها يكون فيها واسرته، ولم يفعل بل تركه في الشارع زيادة في الاذلال والتنكيل ولجأ الإمام (عليه السلام) إلى مكان متواضع جدا يدعى بخان الصعاليك، -فقام فيه يومه- هو واسرته طبعا وليس وحده -وفي الروايات ما يدل على ان الدولة هي التي اجبرته وانزلته فيه ويدل من اسمه خان الصعاليك-على انه بناء فيه غرف ينزل فيه الصعاليك، وهو جمع صعلوك، وهو الفقير المفلوك الذي لا يجد بيتا ولا اسرة ولا طعاما ولا شرابا وهم اقل الناس قدرا من الناحية الاجتماعية ما علينا من الناحية الاخروية فقد جعلت الدولة الإمام (عليه السلام) مع امثال هؤلاء زيادة له في الاذلال التنكيل خذ مثلا اليك احد فضلاء الحوزة، او احد التجار، او احد المراجع ينزل مثل هذا المنزل الان او غدا ما كو فرق-فهل يصير هذا ؟ سبحان الله - ومر عليه وهو في هذا الخان-احد محبيه ومقدري فضله، صالح بن سعيد فاحزنه حال الامام (عليه السلام)، فقال له :- جعلت فداك في كل الامور ارادوا اطفاء نورك والتقصير بك-حتى انزلوك في هذا الخان الاشنع خان الصعاليك.-ويسمع الامام (عليه السلام) ما قال فيجيب،-وكأنه قد التفت اليه بعد استغراق تفكير وانشغال بال، وقال له: هاهنا انت يا بن سعيد ثم يريد الامام (عليه السلام) ان يفهم هذا المشفق بان الحالة الدنيوية وان كانت قد وصلت به نتيجة للظلم والغدر الى هذا الحد المنحدر، الا ان ذلك مما يرفعه عند الله قدرا ويزيده جهادا، ويضيف الى فضائله فضيلة فهو لم يخسر شيئا، وانما الامة الاسلامية هي التي خسرت وانه يعيش في الحقيقة في الانوار الروحية واللذائذ العلمية والنفحات القدسية، فكأنه في رياض الجنان قال صالح بن سعيد كما في الرواية :- ثم اومأ بيده (طبعا الامام عليه السلام) فاذا بروضات انيقات وانهار جاريات، وجنات فيها خيرات عطرات، وولدان كأنهم اللؤلؤ المكنون واطيار وظباء وانهار تفور، فحار بصري، وكثر تعجبي، فقال لي عليه افضل الصلاة والسلام : حيث كنا فهذا لنا ، وفي رواية اخرى حيث كنا فهذا لنا عتيد يا بن سعيد نحن هنا لسنا في خان الصعاليك وقد علق الشيخ المجلسي في البحار الجزء الخمسين صفحة 133على هذه الرواية بقوله: لما قصر علم السائل وفهمه عن ادراكاللذات الروحانية، ودرجاتهم المعنوية وتوهم ان هذه الامور (يعني السكنى في خان الصعاليك) مما يحط من منزلتهم ولم يعلم ان تلك الاحوال مما يضاعف منازلهم ودرجاتهم الحقيقية، ولذاتهم الروحانية وانهم اجتنبوا لذات الدنيا ونعيمها وكان نظره (يعني السائل) مقصورا على اللذات الدنية الفانية اراه الامام (عليه السلام) ذلك لأنه كان مبلغه من العلم كما يقول تعالى (ذلك مبلغهم من العلم) قال اي المجلسي : (واما كيفية رؤيته لها، فهي محجوبة عنا. والخوض فيها لا يهمنا لكن خطر لنا بقدر فهمنا وجوه وهي ذكرها اربعة) اذكر لكم الان اثنين من اهمها في الحقيقة الثالث والرابع :
الوجه الاول :
وهو الثالث بحسب تقسيمه، انه اراه صورة اللذات الروحانية التي معهم دائمابما يوافق فهمه فانه كان (اي هذا الرجل) فانه كان في منام طويل وغفلة عظيمة عن درجات العارفين ولذاتهم اراها له كما يرى النائم العلم بصورة الماء الصافي واللبن اليقق والمال بصورة الحية وامثالها وهذا على مذاق الحكماء والمتألهين اقول : على هذا فهو كشف صوري برزخي تنزلي اما كونه صوريا فلأنه مرأي بالبصر، او هو صورة تراها العين واما كونه برزخيا، فلأنه دون العالم الاعلى الحقيقي المليء بالحقائق والانوار، والمستغني عن كل هذه اللذات واما كونه تنزليا فلأن الحكماء قالوا ان الفرد اذا بلغ الى درجة عليا من درجات اليقين، بحيث يستطيع بها ان يرى الحقيقة على حالها الاصلي فهو المطلوب وان لم يستطع ذلك فقد يكشفها الله له في المنام او في اليقظة على شكل صور من هذا القبيل وهي المناسبة لحاله وفهمه وثانيا هي مناسبة مع الحقيقة التي تعبر عنها فيرى العلم بحرا، والرحمة مطرا، والعدو افعى، وهلم جراالوجه الثاني : مما قاله الشيخ المجلسي في البحار قال :
ما حققته في بعض المواضع وملخصه : ان النشئات مختلفة والحواس في ادراكها متفاوتة كما ان النبي كان يرى جبرئيل (عليه السلام)، وسائر الملائكة والصحابة لم يكونوا يرونهم وامير المؤمنين (عليه السلام) كان يرى الارواح في وادي السلام وحبه العرني وغيره لا يرونهم وفيها رواية انه خرج مع حبة العرني فقال له : لو رأيتهم حلق كذا وكذا يتكلمون وهذا معناه ان امير المؤمنين يراهم يتكلمون الا ان حبة العرني لم يرهم طبعا فيمكن ان تكون جميع هذه الامور في جميع الاوقات حاضرة عندهم (يعني المعصومون عليهم السلام) ويرونها ويتلذذون بها-. لكن لما كانت اجساما لطيفة روحانية ملكوتية لم يكن سائر الخلق يرونها فقوى الله بصر السائل باعجازه (عليه السلام) اي بتسبيب من الامام الهادي (عليه السلام) حتى رأها اقول :- فيكون الفرق بين هذا الوجه وسابقه،-هو ان هذه الصورة التي راها هذا الرجل صورة خيالية مؤقتة تزول بزوال شعوره بها طبقا للوجه الاول ولكنها صورة ثابتة وحقيقية ومستمرة لعالم من عوالم الخلق طبقا للوجه الثاني ولا نريد التعمق في ذلك لكي لا نتجاوز الاسرار الالهية وانما فقط اريد التعليق على ما قاله المجلسي في نقطتين:-
النقطة الاولى :
ان ظاهر كلامه (رحمة الله عليه) وهو المشهور أيضاً ان من مفاخر النبي (صلى الله عليه واله) انه يرى جبرئيل ويسمعه ويتلقى منه القرآن وهذا أمر وان كان عظيما جدا، الا ان النبي (صلى الله عليه واله بحقيقته وروحه العليا اعلى حتى من هذه المرتبة لأننا حين نعتبره خير الخلق على الاطلاق واول الموجودات على الاطلاق واقربها الى الله على الاطلاق اذن فهو خير من جبرئيل ومن القرآن فلا يكون من مفاخره رؤيتهما والعلم بهما نعم هي من صفاته، ولكن ذلك بالنسبة اليه امر بسيط ومفروغ الوجود.
النقطة الثانية :
ان ظاهر كلام المجلسي، وهو المرتكز ايضا في اذهان المتشرعة ان مثل هذه الكشوفات البسيطة نسبيا خاصة بالمعصومين وانا اعتقد ان في ذلك تنزيل من شأنهم وليس اعلاء لحقهم اليس سمعنا قبل قليل ان من يرى الحقائقفهو مستغني عن رؤية صورها التنزلية وانما تكون هذه الصور لمن يعجز عن نيل تلك الحقائق العليا ومن المعلوم ان المعصومين (عليهم السلام اولى واحق من يرى تلك الحقائق والمدارك الجبروتية) ومعه يكونون مستغنين عن هذه الكشوف الصورية وانما يحصل ذلك لطبقة اقل من الاولياء والصالحين، باعتبار ان هذا هو المناسب لهم، ومدرك علمهم، ومبلغ علمهم على اية حال. كما ان ظاهر كلام المجلسي (عليه الرحمة) وكذلك اعتقاد طبقة من المتشرعة ان المعصومين (عليهم السلام) يتلذذون بهذه الصور المكشوفة وانها هي باقية عندهم باستمرار لأجل ان يتلذذوا بها وهذا الكلام مؤسف بطبيعة الحال.-فانه وان صدق في بعض المتقين والصالحين، لا يمكن ان يصدق على المعصومين بحال:
اولا:
لما عرفناه من انهم مطلعون على الحقائق العليا النورانية رأسا وبكل صراحة ووضوح.- اذن فهم لا يعولون على هذه الصور ولا يحتاجونها بل تكون بالنسبة اليهم حجابا عن المعرفة وقطعا للطريق وحاشاهم .
ثانيا:
انه في المستوى العالي جدا من درجات اليقين لا يكون الالتذاذ الا بالله وذكره وطاعته والالتذاذ بهذه الامور، انما هيإلتذاذ بالمخلوق دون الخالق.- وهو من الشرك الخفي وحا شاهم عنه.-ومن هنا ورد : (الاخرة حرام على اهل الدنيا والدنيا حرام على اهل الاخرة والدنيا والاخرة حرام على اهل الله) والمعصومون اولى البشر اجمعين، بل الخلق اجمعين ان يكونوا من اهل الله سبحانه وتعالى يكفينا في ذلك كمثال بسيط ان سكينة بنت الحسين (عليه السلام خطبها الى ابيها خاطب) ، فقال له ما مضمونه :-انها لا تصلح للزواج-لأنها مستغرقة في الله سبحانه وما ذلك أنا أقول وما ذلك الا لأنها تربية ابيها الحسين (سلام الله عليه) وجدها امير المؤمنين (سلام الله عليه)، فكيف بالمعصومين انفسهم ؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ﴿١﴾اللَّـهُ الصَّمَدُ﴿٢﴾لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴿٣﴾وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴿٤﴾
صدق الله العلي العظيم

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم


التعديل الأخير تم بواسطة الراجي رحمة الباري ; 28-04-2017 الساعة 12:50 AM
ابو علي غير متواجد حالياً