عرض مشاركة واحدة
قديم 04-03-2011, 12:26 AM   #2

 
الصورة الرمزية الراجي رحمة الباري

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 24
تـاريخ التسجيـل : Oct 2010
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : بغداد
االمشاركات : 11,036

افتراضي

دليل القائل بالجواز
استدلّ القائل بجواز الغناء والموسيقى بروايات في متونها من الإشكال والهوان ما يغني الفقيه عن الفحص في صحة سندها، وإليك نماذج منها:
1. أخرج الترمذي في سننه عن عائشة قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)جالساً فسمعنا لغطاً وصوت صبيان، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فإذا حبشية تزفن ـ أي ترقص ـ والصبيان حولها، فقال: يا عائشة تعالي فانظري، فجئت فوضعت لحيي على منكب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لي: أما شبعتِ؟ أما شبعتِ؟ فجعلت أقول: لا، لأنظر منزلتي عنده، إذ طلع عمر فارفضّ الناس عنها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّي لأنظر إلى شياطين الجنّ والإنس قد فرّوامن عمر، قالت: فرجعتُ .([24])
أقول: إنّ هذا الحديث مهما كان سنده صحيحاً، فلا يصح متنه ومضمونه، فالنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)أجلّ وأعلى من أن ينظر إلى هذه المناظر، وأن يدعو عائشة لذلك، وهناك كلمة للعلاّمة الأميني حول هذه الرواية، يقول: إنّ ماتحرّوه من إثبات فضيلة للخليفة الثاني يجلب الفضائح إلى ساحة النبوّة ـ تقدّست عنها ـ فأي نبي هذا يروقه النظر إلى الراقصات والاستماع لأهازيجهنّوشهود المعازف، ولا يقنعه ذلك كله حتّى يُطلع عليها حليلته عائشة، والناس ينظرون إليهما من كثب، وهو يقول لها: شبعت؟ شبعت؟ وهي تقول: لا، لعرفان منزلتها عنده، ولا تزعه أُبهة النبوّة عن أن يقف مع الصبيان للتطلّع على مشاهد اللهو شأن الذُنابى والأوباش وأهل الخلاعة والمجون، وقد جاءت شريعته المقدّسة بتحريم كل ذلك بالكتاب والسنة الشريفة.([25])
2. عن بُريدة : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)في بعض مغازيه، فلمّا انصرف جاءت جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله إنّي كنت نذرت إن ردّك الله صالحاً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنّى، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن كنتِ نذرتِ فاضربي وإلاّ فلا. فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدفّ تحت إستها ثمّ قعدت عليه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الشيطان ليخاف منك يا عمر، إنّي كنت جالساً وهي تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثمّ دخل عليّ وهي تضرب، ثمّ دخل عثمان وهي تضرب، فلمّا دخلتَ أنت يا عمر ألقت الدفّ !
وفي لفظ أحمد: إن الشيطان ليفرق منك يا عمر .([26])
أقول: والحديث لا يحتج به لوجوه:
أوّلاً: قد نقله أحمد بن حنبل في مسنده بصور مختلفة فتارة نقل دف الجارية على رأس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)فقط، دون أن يذكر شيئاً من دخول أبي بكر وعمر وعثمان عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)([27])، وأُخرى دف الجارية مع دخول أبي بكر ثم عمر دون أن يذكر دخول علي وعثمان . ([28])
ثانياً: اتّفق الفقهاء على لزوم كون المنذور أمراً راجحاً لا محرماً ولا مكروهاً فلا ينعقد النذر إذا كان المنذور مكروهاً فضلاً عن كونه حراماً.
والضرب بالدف إمّا مكروه أو حرام، فكيف أجازها النبي الضرب بالدفِّ عند رأسه؟! وقد أخرج أحمد عن أبي أمامة، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «قال تبيت طائفة من أُمّتي على أكل وشرب ولهو ولعب ثمّ يصبحون قردة وخنازير ، فيُبعث على أحياء من احيائهم ريح فتنسفهم كما نسفت من كان قبلهم باستحلالهم الخمور وضربهم بالدفوف واتخاذهم القينات». ([29])
على أنّ الظاهر من الحديث أنّ الضرب بالدفّ كان أمراً قبيحاً، ولذلك لمّا دخل عمر ألقت الجارية الدفَّ تحت إستها ثمّ قعدت عليه لتخفيه عن عمر، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى بأن ينهاها عن ذلك الأمر القبيح ولا يسمح لها بالدفِّ على رأسه.
ثمّ إنّ ظاهر الرواية أنّ عثمان دخل وهي تضرب وجلس دون أن تمسك الجارية، وهي تخالف ما رواه ابن أبي أوفى، قال: استأذن أبو بكر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجارية تضرب الدف فدخل، ثمّ استأذن عمر فدخل، ثمّ استأذن عثمان فأمسكت، قال: فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ عثمان رجل حييّ. ([30])
وثالثاً: إن قول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الشيطان ليخاف منك يا عمر» صريح بأنّه فعل الشيطان، وتفضيل لعمر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ومَن حضره.
3. روى أبو نصر الطوسي في اللمع أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)دخل بيت عائشة فوجد فيه جاريتين تغنيان وتضربان بالدف، فلم ينههما عن ذلك، وقال عمر بن الخطاب حين غضب: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «دعهما يا عمر فإنّ لكل قوم عيداً ».([31])
يلاحظ على الرواية: أنّ الظاهر من كلام عمر أنّ الدف من مزمار الشيطان، فيكون استعماله أمراً حراماً ومع ذلك كيف رضي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بوجوده في بيته بحجة أن لكل قوم عيداً، مع أنّ عيد المسلمين معروف ومحدّد، واحتمال أن يكون ذلك اليوم يوم عيد أمر بعيد؟! وعلى كل تقدير فلو استثني فإنّما استثني في العيد لا مطلقاً.
وأظن أنّ الراوي كان بصدد بيان فضائل الخليفة الثاني، غافلاً عن أنّ مثل هذه الروايات لا تنسجم مع قداسة ساحة النبوة وعظمتها.
ولهذا النوع من الروايات نظائر كثيرة، منها:
أخرج أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة، بينما الحبشة يلعبون عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بحرابهم، دخل عمر فأهوى إلى الحصباء يحصبهم بها، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «دعهم يا عمر».([32])
ولعل فيما ذكرنا حول هذا الموضوع غنى وكفاية لمن طلب الحقّ ليتّبعه.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
------------------------------------------------
[1] . تم تحرير هذه المقالة بتاريخ 4 ذي القعدة الحرام 1429 هـ .
[2] . الحلال والحرام في الإسلام: 280 .
[3] . فقه الغناء والموسيقى في ضوء القرآن والسنة: 7، ط. القاهرة، 2004 م .
[4] . نفس المصدر: 148.
[5] . البقرة: 278 .
[6] . الإسراء: 32 .
[7] . أُسد الغابة: 1 / 216 .
[8] . وسائل الشيعة: 12، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 32 .
[9] . الأنبياء: 16 ـ 18 .
[10] . وسائل الشيعة: 12، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 15 .
[11] . انظر الموسوعة الفقهية الكويتية: 4 / 91، مادة: استماع، وقد ذكرت فيها المصادر بالتفصيل.
[12] . لقمان: 6 .
[13] . انظر: مسند أحمد: 5 / 252 ; سنن الترمذي: 3 / 579، برقم 1282 ; سنن ابن ماجة: 2 / 733 برقم 2168 ; مصنف ابن أبي شيبة: 6 / 309 برقم 1171 ; السنن الكبرى للبيهقي: 6 / 14 .
[14] . راجع التفاسير المختلفة حول هذه الآية.
[15] . النجم: 59 ـ 61.
[16] . جامع البيان للطبري: 2 / 82; الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 17 / 80 ; ولاحظ سائر التفاسير في تفسير هذه الآية.
[17] . الجامع لأحكام القرآن: 14 / 37 ; إرشاد الساري: 13 / 351 ; الدر المنثور: 6 / 506 .
[18] . صحيح البخاري: برقم 5268 ; فتح الباري: 10 / 55; المجموع للنووي: 20/ 241 .
[19] . مسند أحمد: 1 / 274 و 289 و 350 و 2 / 158، 165، 171، و 3 / 422 .
[20] . انظر: مسند أحمد: 4 / 58 و 218.
[21] . تحريم آلات الطرب: 56.
[22] . راجع في ذلك المعاجم اللغوية، مادة «كوب».
[23] . المعجم الكبير: 17 / 247 .
[24] . سنن الترمذي: 5 / 621، برقم 3691 ; مصابيح السنة: 4 / 159، برقم 4737 ; مشكاة المصابيح: 3 / 343، برقم 1049 ; الرياض النضرة: 2 / 255 .
[25] . الغدير: 8 / 99 .
[26] . مسند أحمد: 6 / 485، برقم 22480 ; سنن الترمذي: 5 / 620، برقم 3690، وغيرها.
[27] . مسند أحمد: 5 / 356 .
[28] . مسند أحمد: 5 / 353 .
[29] . مسند أحمد: 5/259; صحيح مسلم : 7/185، باب فضل الصحابة، أخرجه عن أبي هريرة.
[30] . مسند أحمد: 4/353.
[31] . اللمع: 345، برقم 153 .
[32] . مسند أحمد: 2 / 594، برقم 8019 .

 

 

 

 

 

 

 

 

الراجي رحمة الباري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس