العودة   منتدى جامع الائمة الثقافي > القسم الإسلامي العام > منبر الرسول الأمجد (صلى الله عليه وآله)

منبر الرسول الأمجد (صلى الله عليه وآله) كل ما يخص رسول الإنسانية صلوات الله عليه وآله

إنشاء موضوع جديد  إضافة رد
 
Bookmark and Share أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-12-2024, 02:53 AM   #1

 
الصورة الرمزية مؤمنة

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 2378
تـاريخ التسجيـل : Aug 2013
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق
االمشاركات : 1,141

افتراضي الأدب النبوىّ


الأدب النبوىّ



ألمح القرآن الكريم إلى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لاينطق عن الهوى ، و هذا الإلماح ينسحب ليس على النصّ القرآني بل على السنّة النبويّة في مختلف مظاهرها ، و منها تصريحه (صلى الله عليه وآله)بأنّه أفصح العرب . . . و الفصاحة هنا ـ كما هي وجهة نظر علماء البلاغة الموروثين في صفّ كبير منهم ـ هي البلاغة ، أي مترادفة ، و ليست مقصورة على الكلمة من جانب و لا على البعد الصوتي من جانب آخر ، بل تتجاوزه إلى البعد الإدراكي في مختلف أنماطه الجماليّة . . . و في تصوّرنا أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) عندما يقرّر بأنّه ( أفصح العرب ) لا ( أبلغهم ) مع ملاحظة أنّ المعصوم (عليه السلام)لا يستخدم العبارة كاستخدامنا ـ نحن العادّيّين من البشر ـ بل يجيء الاستخدام معصوماً من الخطأ أو الخلل الفنّي أيضاً ، و لذلك نحتمل مقدّماً بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله)يقصد من العبارة المذكورة ما يتناول الجانب الصوتي و الدلالي من الكلام ، فيصف ذاته (صلى الله عليه وآله) بأنّه أفصح العرب . . .

و إذا أدركنا هذه الحقيقة ، فلنا ـ حينئذ ـ أن نستخلص مدى ( أدبيّة ) النصوص الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) ممّا تعني أنّ فصاحته الّتي يتفرّد بها مماثلة للمعرفة اللدُنّيّة الّتي ألهمها اللّه لمحمد (صلى الله عليه وآله) و إذا كانت المعايير البشريّة في ميدان الفصاحة و البلاغة تقترن بمدَى التجربة الّتي يمارسها الفرد ، فإنّ المعصوم (عليه السلام)يظل على صلة وثقى بها من جانب ، كما يظل بمنأَى عن هذه المعايير من جانب آخر ، أي ما تفرضه المعايير الاجتماعيّة الّتي تصاحبها الحَذلَقة و الزخرف و التخيُّل الموهوم و الفضول : في الأدب البشري العادي .

من هنا نجد أنّ المأثور من كلامه (صلى الله عليه وآله) يجمع بين ما هو ( عام ) من اللغة التوصيليّة و بين ما هو ( خاص ) من اللغة الموشّحة بعناصر صوريّة أو إيقاعيّة : علماً أنّ العنصر ( اللّفظي ) يُراعى من خلاله إحكام العبارة و انتخابها و إخضاعها لمتطلّبات التقديم و الحذف و الاختزال و أدوات الوصل و الاعتراض و التعقيب و التأكيد الخ ، هذه المستويات اللفظيّة و التركيبيّة تلعب دوراً كبيراً في جعل العبارة ( فنّيّة ) الطابع : دون أن ينحصر الفن أو الفصاحة أو البلاغة في قيمها الصوريّة و الإيقاعيّة ، و حتّى « العنصر الإيقاعي » فإنّ انتخاب العبارة من حيث جرسها و موقعها من مجموع النص و من حيث طولها أو قصرها : أولئك جميعاً تشكّل عنصراً « إيقاعياً » له أهميته دون أن ينحصر الإيقاع في الوحدات الصوتيّة المنتظمة من قافية أو سجع أو وزن أو توازن بين الجمل ، . . . بل حتّى العنصر ( الصوري ) لا ينحصر في رصد العلاقة بين ظاهرتين و استخلاص صورة رمزيّة أو استعاريّة أو تشبيهيّة منها ، بل أنّ رصد ما هو ( واقع ) فعلا مثل صورة جَعل الأصابع في الآذان و استغشاء الثياب على الوجوه ، ـ كما سبقت الإشارة إلى ذلك في حديثنا عن الصورة القرآنيّة الكريمة يظلّ موسوماً بنفس الأهميّة الّتي تنطوي عليها الصورة المركّبة ، طالما يظل السياق هو الّذي يُحدِّد قيمة الصورة و ما ينبغي أن تكون عليه من طابع مباشر أو غير مباشر . . .

و في ضوء هذه الحقائق ، نتقدَّم إلى عرض سريع للنصوص النبويّة الكريمة الّتي تُعدّ مادّة أدبيّة لها قيمتها الكبيرة فنياً و مضمونياً بحيث أصبحت ـ في الوقت ذاته ـ مصدراً ثانوياً للاقتباس و التضمين الأدبي بعد القرآن الكريم ، حيث يبرز الأدب الجديد متأثّراً بهذين المصدرين ( القرآن و السنّة النبويّة ) مضافاً إلى بروز العصور الأدبيّة اللاحقة الّتي تضيف إلى ذلك مصادر أُخرى ـ و في مقدّمتها أدب الإمام علي (عليه السلام) بخاصة ، و أهل البيت (عليهم السلام) بعامة ـ كما سنرى ذلك لاحِقاً .

المهم ، أن نبدأ الآن بما هو مأثور عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فنقول :

يمكن الذهاب إلى أنّ ( الأحاديث ) المأثورة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) تحتلّ المساحة العظمى من ذلك ، تليها ( الرسائل ) الّتي وجّهها إلى رؤساء الدول و الإمارات ، و ولاته و سواهم ، ثمّ الخُطب و الوصايا . و السرّ في ذلك ، أنّ ( الأحاديث ) هي الّتي تضطلع ـ في الغالب ـ بتوصيل المبادِئ الإسلاميّة إلى الآخرين ، و أما الخُطب ـ فبالرغم من أنّها تتضمّن كثيراً من مادة ( حديثيّة ) أيضاً ، إلاّ أنّ اقترانها بوجود ( المناسبات ) يجعلها أقلّ حجماً من الأحاديث دون أدنى شك ، و كذلك الرسائل نظراً لانحصارها بدءً ـ في رسائل سياسيّة فرضتها حِقبة معيّنة من تأريخ الإسلام ، و انحصارها ـ استمرارياً ـ في كُتبه إلى الولاة الّذين يتحدّد عددهم دون أدنى شك و الأمر نفسه بالنسبة إلى وصاياه (صلى الله عليه وآله) حيث تنحصر في عدد محدود و أمّا الأشكال الأدبيّة الأُخرى فلم يتوفّر عليها (صلى الله عليه وآله) ـ و في مقدمتها الشعر ـ حيث إنّ الشعر ( في حدّ ذاته ) تعبيرٌ عاطفيٌ عن الحقائق و هو أمر يتنافى مع شخصيّة الرسول (صلى الله عليه وآله)و شخصيات أهل البيت (عليهم السلام) كما سنرى ، مضافاً إلى أنّ القرآن الكريم نزّه النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن ذلك بقوله تعالى : ( و ما ينبغي له ) ، بل أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)نفسه في بعض أحاديثه أشار إلى قضيّة الشعر و بغضِه لهذا الفن إلى درجة أنّه قرَنَه ببُغضِ الأوثان أيضاً حيث قال (صلى الله عليه وآله) : « لما نشأت بُغّضت إليّ الأوثان و بغّض إلىّ الشعر »([1]) .

أمّا ما وَرَدَ عنه (صلى الله عليه وآله) : من « الرجز » في بعض المعارك : فلعلّه من متطلّبات المناخ العسكري الّذي يتطلب تأجيج العواطف لحمل الآخرين على مواصلة الجهاد في سوح المعركة . . . كما أنّ مباركته (صلى الله عليه وآله)لبعض الشعراء أو تثمينه للشعر في بعض الأحاديث فيقابلها ما ورد عنه من أحاديث تضادّ ذلك مثل ( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ، خير من أن يمتلئ شعراً )([2]) ، حيث يمكن أن يستخلص مؤرّخ الأدب من خلال جمعه بين هذه الأحاديث بأنّ الشعر بعامة موسوم بالكراهة إلاّ في سياقات خاصة يتطلّبها الموقف ، بخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ الشعر يحتلّ أهميّة ضخمة عند العرب آنذاك ، و حينئذ فإنّ استخدامه وسيلة إعلاميّة : يظلّ أمراً طبيعياً تفرضه طبيعة التركِيبَة الاجتماعيّة ، و لذلك طلب من الشعراء أن يهجوا المشركين مثلا ، و أمّا عدا ذلك فيظل الشعر كما صرّح (صلى الله عليه وآله)بذلك و كما هي طبيعته الّتي تعتمد الانفعال الحاد في التعبير عن الحقائق ـ أمراً غير مرغوب فيه : بخاصة في مقام النبوّة و الإمامة ، بل في مطلق المقامات لذلك لا يمكن الذهاب إلى أنّ ذم الشعر ينحصر في ما هو سلبي منه ، لأنّه لو كان كذلك لكان النبيّ (صلى الله عليه وآله)يقول الشعر ـ كما يقول النثر ، فكما أنّه استخدم الخطبة و الخاطرة و المقالة و الحديث و المحاورة و غيرها أدوات لتوصيل رسالة الإسلام ، كان بمقدوره أن يستخدم الشعر أيضاً . . . لكن بما أنّه لم يستخدم هذا السلاح حينئذ نستخلص بكونه غير مرغوب فيه للأسباب العاطفيّة الّتي تقترن به . يضاف إلى ذلك : أنّ ما وردَ من النهي عن إنشاد الشعر في المسجد أو الأوقات الخاصة ، لا يمكن حمله على ما هو سلبي من الشعر ، لأنّ الشعر السلبي مَنهِيّ عنه في الحالات جميعاً سواء أكان في المسجد أم في غيره كما هو واضح .

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
اللهم صل على محمد وال بيت محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
مؤمنة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



All times are GMT +3. The time now is 09:50 PM.


Powered by vBulletin 3.8.7 © 2000 - 2025