يقول ابن خلكان في " وفيات الأعيان ": كان الباقر عالما، سيدا كبيرا، وإنما قيل له الباقر، لأنه تبقر في العلم، أي توسع، والتبقر: التوسع، وفيه يقول الشاعر:
يا باقر العلم لأهل التقى * وخير من لبى على الأجبل (1)
وعن عبد الله بن عطاء قال: ما رأيت العلماء عند أحد، أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي، قال: رأيت الحكيم عنده كأنه متعلم، وقال: كان لي أخ في عيني عظيم، وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، وقال ابن كثير: هو تابعي جليل، كبير القدر كثيرا، أحد أعلام هذه الأمة - علما وعملا، وسيادة وشرفا - وقد روى عن غير واحد من الصحابة، وحدث عنه جماعة من كبار التابعين وغيرهم، فمن روى عنه: ابنه جعفر الصادق، والحكم بن عتيبة، وربيعة، والأعمش، وأبو إسحاق السبعيني، والأوزاعي،
_
وروى سفيان بن عيينة عن جعفر الصادق قال: حدثني أبي - وكان خير محمدي على وجه الأرض - قال العجلي: هو مدني تابعي ثقة .
ويقول ابن سعد في الطبقات الكبرى: وكان ثقة، كثير العلم والحديث، وليس يروى عنه من يحتج به
ويقول الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في حليته: هو الحاضر الذاكر، الخاشع الصابر، أبو جعفر محمد بن علي الباقر، كان من سلالة النبوة، وممن جمع حسب الدين والأبوة، تكلم في العوارض والخطرات، وسفح الدموع والعبرات، ونهى عن المراء والخصومات
ويقول الشبلنجي في نور الأبصار: قال صاحب الإرشادات: لم يظهر أحد من ولد الحسن والحسين من علم الدين والسنن، وعلم القرآن والسير، وفنون الأدب، ما ظهر من أبي جعفر الباقر، روى عن معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين والسير، وسارت بذكر علومه الأخبار، وأنشد في مدائحه الأشعار، فمن ذلك ما قاله " مالك بن أعين الجهني " من قصيدة يمدحه فيها:
إذا طلب الناس علم القرآن * كانت قريش عليه عيالا
وإن فاه ابن بنية النبي * تلقت يداك فروعا طوالا ويقول المحدث الفقيه ابن حجر الهيثمي في صواعقه: أبو جعفر محمد الباقر، سمي بذلك: من بقر الأرض، أي شقها وأثار مخبآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف، ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل فيه:
هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، صفا قلبه: وزكا علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين، ما تكل عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة.
وكفاه شرفا، أن ابن المديني روى عن جابر، أنه قال له - وهو صغير - " رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسلم عليك، فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: كنت جالسا عنده - والحسين في حجره، وهو يداعبه - فقال: يا جابر، يولد له مولود اسمه علي، إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم سيد العابدين، فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمد، فإن أدركته يا جابر، فأقرئه مني السلام
ويقول أبو زهرة : ورث الباقر إمامة العلم، ونبل الهداية، عن أبيه زين العابدين، ولذا كان مقصد العلماء من كل البلاد الإسلامية، وما زار أحد المدينة، إلا عرج على بيت محمد الباقر يأخذ عنه، وكان ممن يزوره علماء من الذين يتشيعون لآل البيت، وعلماء من أهل السنة، وكان يقصده بعض المنحرفين الغلاة في تشيعهم الذين أفرطوا، فكان يبين لهم الحق، فإن اهتدوا أخذ بيدهم إلى الحق الكامل، وإن استمروا على غيهم صدهم، وأخرجهم من مجلسه.
وقال الصبان في إسعاف الراغبين: هو صاحب المعارف، وأخو الدقائق واللطائف، ظهرت كراماته، وكثرت في السوالك إشاراته، ولقب بالباقر، لأنه بقر العلم، أي شقه، فعرف أصله وخفيه وقال أبو زهرة: كان رضي الله عنه مفسرا للقرآن، ومفسرا للفقه الإسلامي، مدركا حكمة الأوامر والنواهي، فاهما - كل الفهم - لمراميها، وكان راوية للأحاديث، يروي أحاديث آل البيت، ويروي أحاديث الصحابة من غير تفرقة، ولكمال نفسه، ونور قلبه، وقوة مداركه، أنطقه الله تعالى بالحكم الرائعة، ورويت عنه عبارات في الأخلاق الشخصية والاجتماعية، ما لو نظم في سلك لتكون فيه مذهب خلقي سام، يعلو بمن يأخذ به إلى مدارج السمو الإنساني