![]() |
![]() |
![]() |
|
منبر الرسول الأمجد (صلى الله عليه وآله) كل ما يخص رسول الإنسانية صلوات الله عليه وآله |
![]() ![]() |
|
![]() |
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
![]() |
#1 |
|
![]()
الأدب النبوىّ ألمح القرآن الكريم إلى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لاينطق عن الهوى ، و هذا الإلماح ينسحب ليس على النصّ القرآني بل على السنّة النبويّة في مختلف مظاهرها ، و منها تصريحه (صلى الله عليه وآله)بأنّه أفصح العرب . . . و الفصاحة هنا ـ كما هي وجهة نظر علماء البلاغة الموروثين في صفّ كبير منهم ـ هي البلاغة ، أي مترادفة ، و ليست مقصورة على الكلمة من جانب و لا على البعد الصوتي من جانب آخر ، بل تتجاوزه إلى البعد الإدراكي في مختلف أنماطه الجماليّة . . . و في تصوّرنا أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) عندما يقرّر بأنّه ( أفصح العرب ) لا ( أبلغهم ) مع ملاحظة أنّ المعصوم (عليه السلام)لا يستخدم العبارة كاستخدامنا ـ نحن العادّيّين من البشر ـ بل يجيء الاستخدام معصوماً من الخطأ أو الخلل الفنّي أيضاً ، و لذلك نحتمل مقدّماً بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله)يقصد من العبارة المذكورة ما يتناول الجانب الصوتي و الدلالي من الكلام ، فيصف ذاته (صلى الله عليه وآله) بأنّه أفصح العرب . . . و إذا أدركنا هذه الحقيقة ، فلنا ـ حينئذ ـ أن نستخلص مدى ( أدبيّة ) النصوص الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) ممّا تعني أنّ فصاحته الّتي يتفرّد بها مماثلة للمعرفة اللدُنّيّة الّتي ألهمها اللّه لمحمد (صلى الله عليه وآله) و إذا كانت المعايير البشريّة في ميدان الفصاحة و البلاغة تقترن بمدَى التجربة الّتي يمارسها الفرد ، فإنّ المعصوم (عليه السلام)يظل على صلة وثقى بها من جانب ، كما يظل بمنأَى عن هذه المعايير من جانب آخر ، أي ما تفرضه المعايير الاجتماعيّة الّتي تصاحبها الحَذلَقة و الزخرف و التخيُّل الموهوم و الفضول : في الأدب البشري العادي . من هنا نجد أنّ المأثور من كلامه (صلى الله عليه وآله) يجمع بين ما هو ( عام ) من اللغة التوصيليّة و بين ما هو ( خاص ) من اللغة الموشّحة بعناصر صوريّة أو إيقاعيّة : علماً أنّ العنصر ( اللّفظي ) يُراعى من خلاله إحكام العبارة و انتخابها و إخضاعها لمتطلّبات التقديم و الحذف و الاختزال و أدوات الوصل و الاعتراض و التعقيب و التأكيد الخ ، هذه المستويات اللفظيّة و التركيبيّة تلعب دوراً كبيراً في جعل العبارة ( فنّيّة ) الطابع : دون أن ينحصر الفن أو الفصاحة أو البلاغة في قيمها الصوريّة و الإيقاعيّة ، و حتّى « العنصر الإيقاعي » فإنّ انتخاب العبارة من حيث جرسها و موقعها من مجموع النص و من حيث طولها أو قصرها : أولئك جميعاً تشكّل عنصراً « إيقاعياً » له أهميته دون أن ينحصر الإيقاع في الوحدات الصوتيّة المنتظمة من قافية أو سجع أو وزن أو توازن بين الجمل ، . . . بل حتّى العنصر ( الصوري ) لا ينحصر في رصد العلاقة بين ظاهرتين و استخلاص صورة رمزيّة أو استعاريّة أو تشبيهيّة منها ، بل أنّ رصد ما هو ( واقع ) فعلا مثل صورة جَعل الأصابع في الآذان و استغشاء الثياب على الوجوه ، ـ كما سبقت الإشارة إلى ذلك في حديثنا عن الصورة القرآنيّة الكريمة يظلّ موسوماً بنفس الأهميّة الّتي تنطوي عليها الصورة المركّبة ، طالما يظل السياق هو الّذي يُحدِّد قيمة الصورة و ما ينبغي أن تكون عليه من طابع مباشر أو غير مباشر . . . و في ضوء هذه الحقائق ، نتقدَّم إلى عرض سريع للنصوص النبويّة الكريمة الّتي تُعدّ مادّة أدبيّة لها قيمتها الكبيرة فنياً و مضمونياً بحيث أصبحت ـ في الوقت ذاته ـ مصدراً ثانوياً للاقتباس و التضمين الأدبي بعد القرآن الكريم ، حيث يبرز الأدب الجديد متأثّراً بهذين المصدرين ( القرآن و السنّة النبويّة ) مضافاً إلى بروز العصور الأدبيّة اللاحقة الّتي تضيف إلى ذلك مصادر أُخرى ـ و في مقدّمتها أدب الإمام علي (عليه السلام) بخاصة ، و أهل البيت (عليهم السلام) بعامة ـ كما سنرى ذلك لاحِقاً . المهم ، أن نبدأ الآن بما هو مأثور عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فنقول : يمكن الذهاب إلى أنّ ( الأحاديث ) المأثورة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) تحتلّ المساحة العظمى من ذلك ، تليها ( الرسائل ) الّتي وجّهها إلى رؤساء الدول و الإمارات ، و ولاته و سواهم ، ثمّ الخُطب و الوصايا . و السرّ في ذلك ، أنّ ( الأحاديث ) هي الّتي تضطلع ـ في الغالب ـ بتوصيل المبادِئ الإسلاميّة إلى الآخرين ، و أما الخُطب ـ فبالرغم من أنّها تتضمّن كثيراً من مادة ( حديثيّة ) أيضاً ، إلاّ أنّ اقترانها بوجود ( المناسبات ) يجعلها أقلّ حجماً من الأحاديث دون أدنى شك ، و كذلك الرسائل نظراً لانحصارها بدءً ـ في رسائل سياسيّة فرضتها حِقبة معيّنة من تأريخ الإسلام ، و انحصارها ـ استمرارياً ـ في كُتبه إلى الولاة الّذين يتحدّد عددهم دون أدنى شك و الأمر نفسه بالنسبة إلى وصاياه (صلى الله عليه وآله) حيث تنحصر في عدد محدود و أمّا الأشكال الأدبيّة الأُخرى فلم يتوفّر عليها (صلى الله عليه وآله) ـ و في مقدمتها الشعر ـ حيث إنّ الشعر ( في حدّ ذاته ) تعبيرٌ عاطفيٌ عن الحقائق و هو أمر يتنافى مع شخصيّة الرسول (صلى الله عليه وآله)و شخصيات أهل البيت (عليهم السلام) كما سنرى ، مضافاً إلى أنّ القرآن الكريم نزّه النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن ذلك بقوله تعالى : ( و ما ينبغي له ) ، بل أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)نفسه في بعض أحاديثه أشار إلى قضيّة الشعر و بغضِه لهذا الفن إلى درجة أنّه قرَنَه ببُغضِ الأوثان أيضاً حيث قال (صلى الله عليه وآله) : « لما نشأت بُغّضت إليّ الأوثان و بغّض إلىّ الشعر »([1]) . أمّا ما وَرَدَ عنه (صلى الله عليه وآله) : من « الرجز » في بعض المعارك : فلعلّه من متطلّبات المناخ العسكري الّذي يتطلب تأجيج العواطف لحمل الآخرين على مواصلة الجهاد في سوح المعركة . . . كما أنّ مباركته (صلى الله عليه وآله)لبعض الشعراء أو تثمينه للشعر في بعض الأحاديث فيقابلها ما ورد عنه من أحاديث تضادّ ذلك مثل ( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ، خير من أن يمتلئ شعراً )([2]) ، حيث يمكن أن يستخلص مؤرّخ الأدب من خلال جمعه بين هذه الأحاديث بأنّ الشعر بعامة موسوم بالكراهة إلاّ في سياقات خاصة يتطلّبها الموقف ، بخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ الشعر يحتلّ أهميّة ضخمة عند العرب آنذاك ، و حينئذ فإنّ استخدامه وسيلة إعلاميّة : يظلّ أمراً طبيعياً تفرضه طبيعة التركِيبَة الاجتماعيّة ، و لذلك طلب من الشعراء أن يهجوا المشركين مثلا ، و أمّا عدا ذلك فيظل الشعر كما صرّح (صلى الله عليه وآله)بذلك و كما هي طبيعته الّتي تعتمد الانفعال الحاد في التعبير عن الحقائق ـ أمراً غير مرغوب فيه : بخاصة في مقام النبوّة و الإمامة ، بل في مطلق المقامات لذلك لا يمكن الذهاب إلى أنّ ذم الشعر ينحصر في ما هو سلبي منه ، لأنّه لو كان كذلك لكان النبيّ (صلى الله عليه وآله)يقول الشعر ـ كما يقول النثر ، فكما أنّه استخدم الخطبة و الخاطرة و المقالة و الحديث و المحاورة و غيرها أدوات لتوصيل رسالة الإسلام ، كان بمقدوره أن يستخدم الشعر أيضاً . . . لكن بما أنّه لم يستخدم هذا السلاح حينئذ نستخلص بكونه غير مرغوب فيه للأسباب العاطفيّة الّتي تقترن به . يضاف إلى ذلك : أنّ ما وردَ من النهي عن إنشاد الشعر في المسجد أو الأوقات الخاصة ، لا يمكن حمله على ما هو سلبي من الشعر ، لأنّ الشعر السلبي مَنهِيّ عنه في الحالات جميعاً سواء أكان في المسجد أم في غيره كما هو واضح .
|
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
![]() |
![]() |