(نية المؤمن خير من عمله ونية الفاسق شر من عمله)

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
لعل الاعم الاغلب قد قرأ او سمع هذا الحديث المروي عن النبي الاعظم محمد صلى الله عليه واله
والسؤال المطروح هنا هو:
لماذا هذا التفضيل للنية على العمل ؟
وللاجابة على هذا السؤال اقول مستعينا بالله جل وعلا :
انه يمكن القول ان هنالك عدة اسباب يصلح كل منها جوابا على اكتساب النية هذه الاهمية والتفضيل منها :

اولا:ما ذكره السيد الشهيد محمد الصدر (قدس) في كتابه ((فقه الاخلاق)) الجزء الاول

حيث ذكر في فقرة معنى النية خمس معاني لها نذكر منها محل الشاهد حيث قال:
5 ـ الباطن أو المحتوى الداخليُّ للإنسان ، أو قل: النفس أو القلب، فمن كانت نفسه صافيةً وقلبه طاهراً فنيته حسنة، ومن كانت نفسه خبيثةً وقلبه غليظاً فنيته سيئة.وبهذا المعنى ورد: [إنَّ نية المؤمن خيرٌ من عمله، ونية الفاسق شرٌّ من عمله] لأنَّ العمل إنما يمثل المحتوى الداخليَّ للفرد، وهذا المحتوى أهمُّ من العمل بطبيعة الحال

ثانيا/ان النية مدعاة لقلب نتائج الاعمال

فقديكون العمل في ظاهره سيئا ولكنك وبحسب نيتك السليمة تكون مثابا عليه وقد يكون العكس اي ان ظاهر العمل حسنا ولكن لسوء النية تكون معاقبا عليه والشواهد على هذا القول كثيرة نذكر منها:
1- ان المرائي يتحد مع المؤمن في ظاهر العمل الا ان الاول وبسبب سوء النية يعاقب على فعله على عكس الثاني الذي يكون مثابا عليه
2- جاء في الخبر ان رجلا من المسلمين قتل في سبيل الله بأيدي بعض الكفار،وكان يدعى بين المسلمين قتيل الحمار،لأنه قاتل رجلا من الكافرين نية أن يأخذ حماره وسلبه، فقتل على ذلك فاضيف إلى نيته. وهاجررجل إلى الجهاد مع أصحاب النبي(صلى الله عليه واله)، كانت نيته من المهاجرة ان يأخذ أمرأة كانت في عساكرالكفار ويتزوجها ـ وتسمى أم قيس ـ فاشتهر هذا الرجل عند أصحاب النبي بمهاجر أم قيس"
3- قال النبي الاعظم محمد صلى الله عليه واله (" إذا التقى الصفان نزلت الملائكة تكتب الخلق على مراتبهم: فلان يقاتل للدنيا،فلان يقاتل حمية، فلان يقاتل عصبية، ألافلا تقولواقتل فلان في سبيل الله ألا لمن قاتل لتكون كلمةالله هي العليا ". وقال (صلى الله عليه واله)): " من تزوج أمرأة على صداق هو لاينوى اداءه فهو زان، ومن استدان ديناً وهو لاينوي قضاءه فهو سارق،ومن تطيب لله تعالى ـجاء يوم القيامة وريحه أطيب من المسك،ومن تطيب لغير الله جاء يومالقيامة وريحه انتن من الجيفة)
4- كما انك يمكن ان تقلب المباح الذي لا اجر على اداءه الى عمل تؤجر عليه وما يكون ذلك الا بتصحيح النية

ثالثا/ ان العمل يكتسب اهميته وقيمته على اساس النية

فكم من عمل صغير عظمته النية وكم من عمل كبير صغرته النية
لذا ورد عن النبي الاكرم محمد (ص)((ركعتان مقتصدتان خير من قيام الليل والقلب ساه))
فانت تصلي والولي يصلي ولا اختلاف بين الصلاتين ظاهرا الا انه شتان بين الصلاتين عند الله جل وعلا وما ذلك الا بخلوص النية

رابعا/ انك قد تثاب او تعاقب على اساس النية دون حصول العمل في الخارج

والاحاديث والروايات الواردة في ذلك كثيرة نذكر منها:
1- قال الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه واله ((من هم بحسنةولم يعملهاكتبت له حسنة))
2- وقال (ص): " الناس أربعة: رجل أتاه الله ـ عز وجل ـ علماًومالاً فهويعمل بعلمه في ماله،فيقول رجل: لو اتاني الله ـ تعالى ـ مثل ماآتاه لعملت كما يعمل،فهما في الأجر سواء،ورجل آتاه الله مالاًولم يؤته علماً، فهويتخبط بجهله في ماله،فيقول رجل: لو آتاني الله مثل ماآتاه لعملت كما يعمل،فهما في الوزر سواء،ألا ترى كيف شاركه بالنية في محاسن عمله ومساويه؟!
3- ". وقال الامام الصادق (عليه السلام): " وإنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله ـ تعالى ـ أبدا، وإنما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا، فبالنيات خلد هؤلاء وهؤلاء، ثم تلا قوله ـ تعالى ـ.
" قل كل يعمل على شاكلته (الاسراء اية 84)
4- ذكر الفقهاء في رسائلهم العملية ومنهم السيد الشهيد محمد الصدر (قدس) :ان قطع النية موجب لبطلان الصوم في شهر رمضان حتى ولو لم يتناول المفطر حيث جاء في منهج الصالحين (1345م):
(تجب استدامة النية الى اخر النهار فاذا نوى القطع فعلا او تردد عن قناعة لا عن وساوس بطل صومه)

خامسا/ ان النية بمثابة الروح والعمل بمثابة الجسد

وهذا ما اشار اليه صاحب كتاب (جامع السعادات) محمد مهدي النراقي حيث قال:
أن العمل إذا حلل إلى جزئيه يكون جزؤه القلبي ـ اعني النية ـ خيرا من جزئه الجسماني ـ اعني ما يصدر من الجوارح ـ، والثواب المترتب عليه اكثر من الثواب المترتب عليه، ولذا قال الله ـ سبحانه ـ :" لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم "(الحج اية37).
فان المقصود من اراقة دم القربان ميل القلب عن حب الدنيا، وبذلها ايثارا لوجه الله، دون مجرد الدم واللحم، وميل القلب انما يحصل عند جزم النية والهم، وان عاق عن العمل عائق، (فلن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم)، والتقوى صفة القلب،))


واخيرا اقول:ان خلوص النية لا يكون الا بالايمان وتكثير الطاعات والتوسل بائمة الهدى سلام الله عليهم
((اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية وصدق النية وعرفان الحرمة .....))
اللهم اني اسالك بحق محمد وال محمد عليك صل على محمد وال محمد واجعل النور في بصري والبصيرة في ديني واليقين في قلبي والاخلاص
في عملي والسلامة في نفسي والسعة في رزقي والشكر لك ابدا ما ابقيتني ))