العودة   منتدى جامع الائمة الثقافي > قسم آل الصدر ألنجباء > منبر شهيد ألله السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس)

منبر شهيد ألله السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس) المواضيع الخاصة بسماحة السيد الشهيد محمد الصدر قدس الله نفسه الزكية

 
 
Bookmark and Share أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 23-06-2024, 08:10 PM   #1

 
الصورة الرمزية خادم البضعة

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 23
تـاريخ التسجيـل : Oct 2010
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : العراق الجريح
االمشاركات : 12,655

بقلمي كيف يجب ان نعيش ذكرى الغدير؟ .. كتاب "رسائل ومقالات – إشراقات فكرية ج1" .. السيد الشهيد محمد الصدر قدس

كيف يجب ان نعيش ذكرى الغدير؟(1)
إنّ الحكمة الالهية حين رات امتناع بقاء البشر على حالهم من الانحلال والتسيّب وعدم التنظيم والتقنين، ومن الفراغ العقائدي والتفسخ الخلقي الذي كان سائدا قبل بزوغ فجر الاسلام المجيد، ورات الحكمة الالهية ضرورة هداية البشر بما لهم من عقول مدرك، ونفوس مفكّرة، الى طريق الصواب، وارشادهم الى تعاليم حكيمة، وقوانين عادلة، لأجل فسح المجال امامهم لتثقيف انفسهم والرقي بها نفسيا وعقليا واخلاقيا واجتماعيا من الكامل الى الاكمل، ولكي يُنزلوا الى طريق العمل والجد المتواصل ما رزقهم الله تعالى من قوى وملكات، في سبيل الوصول الى الخير والكمال عن طريق اتّباع التعاليم الالهية.
ومن ثم انزل الله تعالى بحكمته البالغة على البشر، دستورا منيرا وقانونا تفصيليا عميقا عادلا، يضم بين جنبيه حل جميع المشاكل البشرية، ويقوى على تذليل جميع المصاعب والعقبات والخلافات التي قد تنجم امام البشر خلال العصور مهما طال الزمان وتطورت الثقافة والافكار، انزله اليهم ليكون لديهم دينا خالدا يُخرج البشر جميعا من الظلمات الى النور، ويهديهم الى صراط مستقيم.
فكان هذا الدستور الخالد هو الاسلام، وكان "حلال محمد صلى الله عليه وآله وسلم حلال الى يوم القيامة، وحرامه حرام الى يوم القيامة" (2).
ولما صدع نبي الاسلام صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغ التعاليم الالهية، ونشر هذا القانون العادل الخالد في ربوع البشرية، استطاع ان يخلق بعبقريته وعمق نظره من الامة الجاهلة المتخلفة، امة تقف على قمة الحضارة البشرية، وتنشر على مدى الاجيال اشعاعا فكريا وهّاجا متواصلا، لا تبليه الايام ولا تذهب بجدّته الدهور، ويخاف من سطوة هذه الامة جبابرة القياصرة والاكاسرة .
وما كان هذا العمل العظيم ليتم لولا انه صلى الله عليه وآله وسلم كان هو الموجّه الحكيم عندئذ، والقائد المحنّك للدفع الاسلامي الثوروي الذي كان يتولاه بيده في صدر الاسلام. وكان يبذل في سبيل ذلك اقصى امكانياته الفكرية، وطاقاته الاجتماعية والعسكرية، وما اكبر تلك الامكانيات في شخص نبي الاسلام صلى الله عليه وآله وسلم.
الا ان الحكمة الالهية لاحظت ببعد نظرها، ان الدفع الاسلامي الثوروي الذي يقوده الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم سوف لن يبقى خالدا اذا كان منوطا بشخصه صلى الله عليه وآله وسلم فقط؛ فان حياة الانسان على كل حال، لابد ان تصل الى نهاية في يوم من الايام، ولابد ان يأتي ذلك اليوم الذي يختم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم تاريخه الحافل بمفاخر الفعاليات والنشاط، ويصعد نفسا مطمئنة، راضيا مرضيا الى ساحة ربه العلي العظيم الذي ما ودّعه وما قلاه(3).
اذن، وفي تلك الساعة الرهيبة، تلك الساعة الهائلة التي يفقد فيها الدفع الثوري الاسلامي قائده، ويفتقد المجتمع الاسلامي نبيه ومرشده وموجهه، ويخسر المسلمون ذلك الاب الروحي الكريم الذي يعز عليه عنتهم، [وهو] بالمؤمنين رؤوف رحيم(4).
ما العمل في تلك الساعة الرهيبة، وكيف يمكن تلافي الامر، وهل يمكن ان تُهمل الثورة الاسلامية الحديثة بدون قائد ولا ناصر؟ وهل يعقل ان يُغضّ النظر عن هذه الانجازات الكبرى التي حققها الرسول بقيادته الرشيدة، وعن هذا النصر الكبير الذي احرزه، وعمّا يرجى لهذا الدين الحنيف من تقدم وازدهار، في مستقبل الايام؟
ان هذا الدين قد اُنزل ليكون خالدا بخلود البشرية، يسايرها في كل عصر ومكان، ويرشدها الى الخير والصلاح .
اذن، فلا ينبغي للدفع الاسلامي ان يموت، ولا للثورة الكبرى ان تفشل؛ فان ذلك مخالف للحكمة الالهية العميقة التي من اجلها نزل دين الاسلام، ووُضع هذا التنظيم العادل الحكيم، فان الدين لايزال في مفتتح الحياة لم يصل بعد الى اهدافه، ولم يحقق جميع غاياته .
اذن، فقد ادركت الحكمة الالهية انه لابد من تعيين خلف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكي يتولى القيادة الكبرى التي بدأها الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم، منذ بعثه بالرسالة الاسلامية، ولكي يستمر هذا الدفع الثوري الاسلامي حيا متوهجا نشطا، حتى يبلغ غاياته وينال اهدافه.
ومن هنا نزلت الآية الكريمة صوتا مجلجلا خالدا يملأ مسامع المسلمين ويخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ))(5). يأمره الله تعالى بان يبلّغ ما اُنزل اليه من ربه، وهذا التبليغ من العمق والاهمية بمكان، بحيث انه هو الكافل لبقاء الرسالة وحياة الشريعة، وللاستمرار بدفعها الثوروي العقائدي، فانه اذا لم يحصل هذا التبليغ للمسلمين، فسوف تبوء الجهود بالفشل، وسوف تنطفئ الدعوة في مهدها، فكأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يبلّغ رسالته، وكأن المسلمين لم يعوا ما قاله ولم يفهموه.
وما ذلك إلا لان حياة الشريعة واستمرار بقاء المد الثوروي بعد حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحتاج الى قائد محنك، يتولى امرها ويأخذ بيده زمامها؛ لكي يستمر سائرا بها في الطريق ذاته الذي رسمه القائد الاكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، متجها بالمجتمع الاسلامي نحو الغايات الكبرى التي وجد من اجلها التشريع الاسلامي الخالد.
.. ولكن مَن ينبغي ان يكون هذا القائد العظيم؟
مَن ذلك الانسان الذي انصهر في بوتقة الرسالة بحيث يستطيع غرسها في المجتمع بيد قوية صالحة؟ مَن ذلك الذي ارتوى من تعاليم السماء كي يستطيع ان يروي منها النفوس البشرية الظامئة؟ من ذلك الذي تجسدت به العدالة والاسلام؛ لكي لا تأخذه في تطبيق تعاليم الله لومة لائم؟ من ذلك الشخص الاسلامي العظيم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستطيع ان يأخذ بيد الثورة الاسلامية الكبرى الى شاطئ الفوز والنصر؟ من هو ابن الرسالة وربيب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟
انه علي بن ابي طالب امير المؤمنين عليه السلام.
ذلك الشخص العظيم الذي تكفله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ورباه صغيرا واستعان به كبيرا، وعلّمه من حكمته وتعاليمه الشيء الكثير، وعلّمه الف باب من العلم ينفتح له منها الف باب(6)، وهو الذي وقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه عند صراعه مع الكفر في حرب ضروس(7)، وعندما يحوك الكفر المتمثل في قريش المؤامرات لاغتياله، وهو ابن القران وابن الرسالة المحمدية واول ذائد عن حياض الاسلام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن هنا جاء الامر الالهي الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبيل وفاته بأشهر قليلة، يوجب عليه تنصيب وصياً على الامة الاسلامية بعده، وقائدا لها الى الاهداف الاسلامية الكبرى التي يستهدفها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قيادته، وان يبلّغ هذه الوصاية للامة الاسلامية بشكل علني وصريح، لا يحتمل الشك والالتباس؛ لكي يكون هو الماسك بزمام المجتمع الاسلامي، والمطبق للعدل الاسلامي، والفيصل بين الحق والباطل بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وليس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ان يخاف من احد، او ان يستمع الى قول الهامسين؛ فان الله هو العاصم من الناس .
فان تبليغ هذه الوصاية من الاهمية والعمق بمكان بحيث انها لو لم تحدث لما وُجد للإسلام ذلك القائد المحنك القدير الذي يتولى زمام الامر بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ثم فسوف تنطفي شعلة الثورة الاسلامية ويؤول امر الدين الجديد الى الانحلال، فكأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يبلّغ رسالة الله، ولم ينشر تعاليمه، ولم يفعل شيئا في سبيل اعلاء كلمة الحق ونشر راية الاسلام.
ومن ثم فقد صدع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الامر الالهي الصارم، وامر بجمع الحجّاج في منطقة غدير خم، وارتقى منبرا في وسط ذلك الجمع الغفير ممسكا بيد امير المؤمنين عليه السلام، قائلا ـ فيما قال ـ : " من كنتُ مولاه فهذا علي مولاه"(8).
وبذلك تم تنصيب القائد العظيم الذي سوف يقود المجتمع الاسلامي الى النصر والعدل والرفاه بعد وفاة الرائد الاول، وذهاب القائد الاعلى عن ميدان الجهاد، وبهذا التنصيب تمت دعائم الاسلام، وخُتمت بذلك احكامه، وضمن له نبيه الكريم الاستمرار والخلود، وتمت نعمة الله الكبرى على المسلمين بجعل دينهم خالدا مضمون البقاء.
قال الله عز وجل في كتابه الكريم مشيرا الى ذلك: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا))(9).
ولا بأس ان نشير بهذه المناسبة الى معنى هذا القول النبوي الخالد "من كنت مولاه ، فهذا عليٌّ مولاه" .
لا يخفى ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصفته رئيسا للدولة الاسلامية التي كان حاكما لها، قد أعطاه الله تعالى السلطة التنفيذية الكافية في التصرف في المجتمع الإسلامي؛ لكي يستطيع بهذه السلطة بسط العدل فيه، وتطبيق القوانين الإسلامية التي جاء بها من قبل الله عز وعلا، فإنه لولا هذه السلطة لما كان يمكن أن تنفتح أمامه الفرصة للعمل الإيجابي البنّاء، والجهاد في سبيل غرس الإسلام في جذور المجتمع الجاهلي.
وكانت تلك السلطة متمثلة بإعطاء النبي (صلى الله عليه واله) من قبل الله تعالى صلاحية عامة للتصرف بأموال المسلمين وأنفسهم في حدود المصلحة العامة للإسلام وللمجتمع الإسلامي، قال الله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْـمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(10)، بمعنى: إناطة أنفس المسلمين - وأموالهم بطريق أولى - برأي رسول الله (صلى الله عليه واله)، وجعلها رهن إشارته في حدود ما تقتضيه المصلحة العامة من تنفيذ وتطبيق. فله في هذه الحدود، أن يقـ،*ـتل القا*تل، وأن يقطع يد السارق وأن يجلد الزاني، وأن يأخذ من الناس ضرائب معينة، وأن يأمر الناس وينهاهم في حدود التعاليم الإسلامية العامة.
وليس معنى إعطائه هذه السلطة، أن يكون دكتاتوراً ظالماً أو حاكماً متعسفاً، معاذ الله!
فإن ذلك منفي بأصل التشريع، ومنفي أيضاً في شخص النبي (صلى الله عليه واله)، وأي من هذين الضمانين كافٍ في رفع التعسف والظلم، فضلاً عما إذا اجتمعا في رسول الله (صلى الله عليه واله) وشريعته .
أما في ذلك في أصل التشريع، فلأجل تقييد هذه السلطة بالمصلحة العامة، بمعنى: أن الحاكم إنما تكون له هذه السلطة ما دام مطبقاً لقوانين الإسلام وما دام مستهدفاً لنشر عدله في المجتمع .
وأما إذا صار الحاكم بصدد تطبيق أغراضه الخاصة وشهواته الشخصية على المجتمع الإسلامي، فإن التشريع الإسلامي سوف يسحب منه هذه السلطة، ولن يبقى في يديه شيء منها، ويعتبره خارجاً على تعاليمه مخالفاً للمصلحة العامة .
وأما نفي الدكتاتورية المطلقة بالنسبة لشخص النبي (صلى الله عليه واله)، فذلك لأجل كونه شخصاً معصوماً لا يمكن أن يصدر منه ظلم أو تعسف، ولا يمكن أن يكون إلا مريداً لما يريده الله تعالى، ولا يمكن إلا أن يكون ساعياً في سبيل الله تعالى ومتجهاً إلى رضاه، وإلى تطبيق أوامره ونواهيه على المجتمع الإسلامي حسب ما تقتضيه الموضوعية والعدل .
من هذا البيان - بمعنى: ولاية النبي (صلى الله عليه واله) على المجتمع الإسلامي ـ نعرف أنه أناط هذه الولاية بأمير المؤمنين (عليه السلام) يوم غدیر خم، حين قال: «من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه» ، أي: من كنت أولى به من نفسه وأمواله من المسلمين، فهذا عليٌّ أولى به من نفسه وماله بعدي .
وما ذلك إلا لأن رسول الله (صلى الله عليه واله) يريد أن يعطي القيادة الإسلامية الكبرى التي كان متولياً زمامها في حياته، إلى هذا الرجل العظيم. ومعنى القيادة التي كانت بيده (صلى الله عليه واله) هو أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأموالهم، وأنه يملك السلطة التنفيذية المطلقة في التصرف في المجتمع الإسلامي، في حدود تطبيق أوامر الإسلام .
إذن، فلابد أن تعطي هذه الصفة ذاتها إلى القائد الكبير بعده؛ لكي يملك أيضاً سلطة التطبيق الكامل للشريعة، من دون عائق أو عثار .
وبخاصةٍ وأن أمير المؤمنين (عليه السلام) أهلٌّ لهذا التخويل العظيم، وهذا المنصب الإلهي الجليل، كيف لا؟ وهو ابن الرسالة وربيب القرآن، والتجسيد الثاني لتعاليم الإسلام، وهو الشخص المعصوم الذي لا يصدر منه ظلم أو تعسف، أو خطأ أو نسيان .
وبهذا التخويل العظيم، أصبح الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أميراً للمؤمنين، ووصياً على المسلمين من قبل رب العالمين، لكي يتولى قيادة المجتمع الإسلامي بعد نبيه الكريم (صلى الله عليه واله)، ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى الصراط المستقيم .
وهذا التخويل العظيم هو الذي أوكل بعد ذلك إلى الأئمة المعصومين الهداة المهديين بعد أمير المؤمنين (عليهم الصلاة والسلام)، فكانوا أمناء الله في أرضه، وحججه على خلقه، ليضمن بذلك خلود الشريعة وبقاء الجذوة الإسلامية متقدة على مدى الدهور، ووجود من له القابلية التامة لقيادة الأمة الإسلامية في كل عصر من العصور .
أيها المسلمون:
ونحن الآن إذ نعيش في هذه الذكرى وهذا اليوم الخالد، تلك الذكرى تتجدد على مدى العصور، عاماً بعد عام، ما الذي يمكن أن نعيشه في هذه الذكرى، وما مقدار الدفع الثوروي الذي تملكه الذكرى في أذهاننا ونفوسنا، وفي أعمالنا وعلاقاتنا، وفي تطبيق أوامر الإسلام ونواهيه على خصوصيات سلوكنا، وما الذي يمكننا ونحن نمر في هذا العيد الإسلامي أن نتمثل في أذهاننا من مُثل الإسلام الكبرى وغاياته النبيلة، ومن إيمانٍ بروح الإسلام، واعتقاد بالمغازي العظيمة التي جاء من أجلها تشريعه .
وإلى أي حد يمكننا أن نطبق الخُلق الإسلامي العادل على حياتنا وعلى سلوكنا الاجتماعي، ذلك الخُلق الإسلامي الذي أراد رسول الله (صلى الله عليه واله) أن يوصله إلينا غضاً طرياً حين زرع فيه عناصر البقاء بتنصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) وصياً على المسلمين من قبله في مثل هذا اليوم .
كل هذه أسئلة يجب أن نوجهها إلى أنفسنا كمسلمين، وأن نصارح بها أفكارنا، وأن نستخلص الجواب الصحيح من داخل ذواتنا من دون مواربة أو محاولة هروب، فإن مواجهة الواقع على حقيقته أولى بكثير، في سبيل إصلاحه ووضع الحل العادل عليه، من تناسيه ومحاولة الإعراض عنه والهروب منه .
ويجب علينا أيضاً أن نجدد إلقاء هذه الأسئلة على أنفسنا في كل مناسبة يمر فيها هذا العيد الإسلامي الكبير، لكي نستطيع أن نجعل من هذه المناسبة الكبرى مشعلاً إسلامياً وضّاءً ينير لنا الطريق ويذكرنا بتعاليم الإسلام، كلما ضاق الطريق، ولكي نجعل من عودة هذه الذكرى في كل عاماً حافزاً أساسياً في بقاء الدفع الإسلامي الثوروي الأول حياً في أذهاننا، يقظاً في شعورنا نتوسّم خطاه ونحاول جاهدين تطبيق روحه ومغزاه على حياتنا الفكرية العقائدية وعلى حياتنا الاجتماعية العملية، لكي نستطيع أن نمثّل الحياة الإسلامية في خضم التيارات المختلفة في هذا المجتمع الكبير .
ولعل أجمل رمزٍ للحياة الشعورية الإسلامية التي ينبغي للفرد المسلم أن يحياها في هذه المناسبة الكبرى، هو ما ندب إليه الإسلام استحباباً، من أنه إذا تلاقى الأخَوان المؤمنان في مثل هذا اليوم من كل عام ينبغي لكل واحد منهما أن يقول: "الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكین بولاية أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام"(11).
وما مغزى ذلك إلا التوجه بالشكر إلى الله العلي العظيم على أن وفق قائله المؤمن، على تمسكه بذلك العهد الإسلامي الكبير الذي عهده رسول الله (صلى الله عليه واله) إلى المسلمين بإيكال القيادة الإسلامية إلى وصيه الأمين عليه الصلاة والسلام .
وحمده عز وجل على إيمانه بتلك القيادة الإسلامية الرشيدة التي انبثقت يوم غدیر خم، وعلى اعتراف المؤمن بكل جنانه وشعوره بتلك القيادة، وأنها بحق أولى به من نفسه وأمواله في حدود المصلحة العامة، كما عهد رسول الله (صلى الله عليه واله)، وأن القائد الذي نُصّبَ في ذلك العهد قائدٌ له وولي لأمره؛ بصفته مؤمناً بتعاليم الإسلام، متبعاً لقول رسوله (صلى الله عليه واله) .
ويحمد الله هذا المؤمن أيضاً على إيمانه بالقيادة الإسلامية التي أوكلت إلى الأئمة الاثني عشر، واحداً بعد الآخر، فكان كل منهم بحق حجة الله عليه، وأولى به من نفسه، حتى تصل هذه القيادة الإسلامية الكبرى إلى يد الإمام الثاني عشر، الإمام القائم والقائد الفعلي الغائب، الحجة المهدي عليه الصلاة والسلام، الذي ينتظره المؤمن بإیمانٍ وثقة، وبشوق متزايد؛ لكي يظهر {فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً}(12).
وحياكم الله أيها المسلمون ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(13).
الهوامش
(1) [تاريخ كتابة هذا البحث] الاربعاء: 12 / 12 / 1384 = 14 / 4 / 1965منه قدس سره.
(2)الكافي 2 : 18، باب الشرائع، الحديث 2، وبصائر الدرجات (للصفار): 168، باب نادر، باب 13، باب آخر فيه أمر الكتب، الحديث 7.
(3)اشارة الى قوله تعالى: ((ما ودّعك ربك وما قلى)) سورة الضحى ، الآية: 30.
(4)اشارة الى قوله تعالى: ((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)) سورة التوبة، الآية: 128.
(5)سورة المائدة، الآية: 67.
(6)راجع ذلك في الارشاد (للمفيد) 1 : 34، في انه عليه السلام اعلم الصحابة.
(7)راجع ذلك في كشف الغمّة 1 : 181، غزوة بدر.
(8)الكافي 1 : 420، باب نادر، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، الحديث 42، ومناقب الامام امير المؤمنين عليه السلام 2 : 402، باب من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، وحديث الغدير برواية ...، الحديث 880، والخصال(للصدوق):219، الحديث 44، ومسند احمد 4: 371، حديث زيد بن ارقم، والمستدرك (للحاكم النيسابوري) 3 : 109، وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتاب الله وعترته.
(9)سورة المائدة، الآية: 3.
(10)سورة الأحزاب، الآية: 6.
(11)إقبال الأعمال (للسيد ابن طاووس) ۲ : ٢٦١، فصل 6، فيها نذكره من فضل يوم الغدير.
(12)الكافي 1 : 341، باب في الغيبة، الحدیث ۲۱، كمال الدین وتمام النعمة (للصدوق) ۲۸۷، الباب الخامس والعشرون، ما أخبر به النبي (صلى الله عليه واله) من وقوع الغيبة، الحديث 4، وسنن أبي داود ۲ : ۳۰۹، کتاب المهدي، الحديث 4282، ومستدرك الحاكم 4 : 465، ذکر خروج المهدي عليه السلام .
(13) نُشر هذا المقال في مجلة الأضواء الإسلامية، العدد 8 - 9، السنة الخامسة، بتاريخ محرم ١٣٨٥ = مایس ١٩٦٥ (منه قدس سره).

 

 

 

 

 

 

 

 

توقيع »
خادم البضعة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



All times are GMT +3. The time now is 10:53 PM.


Powered by vBulletin 3.8.7 © 2000 - 2025