مسلم بن عقيل السفير المظلوم

بعد أن تتابعت رسائل أهل الكوفة الى الإمام الحسين عليه السلام اوفد مسلم بن عقيل عليه السلام مبعوثا الى الكوفة ليطلع على صدق نواياهم بنصرة الامام الحسين اذا ما أقبل نحوهم .
وقد حمل الامام الحسين عليه السلام مبعوثه رسالة الى الكوفيين جاء فيها .
( بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي الى الملأ من المؤمنين، سلام عليكم، أما بعد، فان هانئ وسعيد بن عبد الله قدما علي بكتبكم، فكانا آخر من قدم علي من عندكم، و قد فهمت الذي قد قصصتم و ذكرتم، و لست أقصر عما أحببتم، و قد بعثت اليكم أخي و ابن عمي و ثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل بن أبي طالب ، و قد أمرته أن يكتب الي بحالكم، و رأيكم، و رأي ذوي الحجي و الفضل منكم ... الخ
وبعد ذلك اقبل مسلم عليه السلام الى المدينة وصلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وودع أهله واستأجر دليلين وانطلق نحو العراق ، وفي الطريق مات الدليلان من كثر التعب والعطش ، فأرسل مسلم عليه السلام رسالة يطلب فيها اعفائه من هذه المهمة حيث جاء فيها .
( أما بعد: فاني أقبلت من المدينة مع دليلين، فجازا عن الطريق فضلا واشتد عليهما العطش فلم يلبثا أن ماتا، وأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا، وذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبث، وقد تطيرت من توجهي هذا فان رأيت أعفيتني منه، وبعثت غيري والسلام )
وكتب الامام الحسين عليه السلام جوابا لمسلم عليه السلام هذا نصه .
(أما بعد: فقد خشيت إن لا يكون حملك على الكتاب إلي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن، فامض لوجهك الذي وجهتك فيه والسلام ) .
وهنا سنحاول ان نرد على هذه الرواية والتي نظنها من الموضوعات
حيث أن من المستبعد جدا حصول مثل هذا الخوف والتردد عند مسلم بن عقيل ويمكن ان نبرهن على ذلك من عدة وجوه .
الوجه الاول : ان مضيق الخبث الذي بعث منه مسلم رسالته إلى الامام يقع ما بين مكة والمدينة وليس بين المدينة والعراق كما ذكره المؤرخون ، في حين أن الرواية تنص على أنه استأجر الدليلين من المدينة ، وخرجوا إلى العراق فضلوا عن الطريق، ومات الدليلان، ومن الطبيعي ان هذه الحادثة وقعت ما بين المدينة والعراق ولم تقع ما بين مكة والمدينة.
الوجه الثاني :لو فرضنا صحة وجود مثل هذا المكان بين المدينة والعراق فان السفر منه إلى مكة يزيد على عشرة أيام في حين أن سفر مسلم من مكة إلى العراق كان في اليوم الخامس عشر من شهر رمضان، وقدم إلى الكوفة في اليوم الخامس من شوال فيكون مجموع سفره عشرين يوما ، وهي أسرع مدة يقطعها المسافر .
إضافة الى المدة التي استغرقها سفر الرسول الذي بعثه مسلم من ذلك المكان الى مكة ورجوعه إليه، فان مدة سفر مسلم عليه السلام من مكة إلى الكوفة تكون أقل من عشرة أيام ويستحيل عادة قطع تلك المسافة بهذه الفترة من الزمن .
الوجه الثالث : ان الامام عليه السلام اتهم مسلم بالجبن، وهو يناقض توثيقه له في رسالته التي حملها الى اهل الكوفة من أنه ثقته من أهل بيته، والمفضل عنده ، فمع اتصافه بهذه الصفات كيف يتهمه بالجبن ؟!.
الوجه الرابع : ان اتهام مسلم بالجبن يتناقض مع سيرته، فقد أبدى هذا البطل العظيم من البسالة والشجاعة النادرة ما يبهر العقول فإنه حينما انقلبت عليه جموع أهل الكوفة قابلها وحده من دون أن يعينه أو يقف إلى جنبه أي أحد، وقد أشاع في تلك الجيوش المكثفة القتل مما ملا قلوبهم ذعرا وخوفا . ولم ينقص من عزمه وشجاعته بل كان مثالا للبطولة والتضحية والفداء في سبيل الحسين عليه السلام .
الوجه الخامس : ان المتعارف عليه بين الناس وحتى في زماننا هذا بأن السفير والمبعوث يمثل من بعثه وبالتالي يكون حاكيا عنه وصورته التي يراها الناس من خلاله ، اذ لابد ان يكون في اعلى مراتب الكمال والشجاعة والحكمة فكيف بسفير المعصوم !!
الوجه السادس : ان الدليل في طريق ما ، هو من اعلم الناس به وبالظروف التي من الممكن ان تواجهه في طريقه وكيفية تجاوزها .
فما بالك بمن يقطع الصحراء ذهابا وايابا لعدة مرات لا يحمل معه من الماء ما يكفيه حتى يموت عطشا !!
بل ان من المفروض ان مسلم بن عقيل هو من يموت من كثرة التعب والعطش لا الدليل ، وهذا أمر واضح ووجداني ولا يحتاج الى كثرة نظر وتأمل .
والحمد لله رب العالمين
ملاحظة : هذه النقاط هي تقريري لمحاضرة ألقاها أحد اساتذتي في ذكرى شهادة مسلم بن عقيل عليه السلام .