|
منبر ألمنتظر لإقامة ألأمت والعوج مخصص لمواضيع الإمام المهدي عجل الله فرجه والممهدون له |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
31-12-2024, 02:50 AM | #1 |
|
أدب الامام المهدى (عليه السلام)
أدب الامام المهدى (عليه السلام) من البيّن أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) ينفرد بغيبته المعروفة أي بعدم حضوره ، ممّا يترتّب على ذلك عدم صدوره عن نتاج تفرضه المقابلة ، أو الاجتماع ، أو متطلبات التحرّك العبادي و السياسي ، خلا ما هو ضروري من الأحكام ، أو التوصيات الخاصة ، أو العامة الّتي تتمّ من خلال سفرائه الأربعة ، فيما توشّحها لغة العلم . . . لذلك ، لا نتوقع الظفر بنصوص عامة بذلك النحو الّذي يؤثر عن سائر المعصومين (عليهم السلام) . . . لكن نجد أنّ هناك نصوصاً تنتسب إلى فنَّي ( الزيارة ) و ( الدعاء ) فيما قلنا أنّ هذين الشكلين الأدبيين يختصّان بالشخصيات المشرّعة فحسب ، حيث يذكر المؤرّخون جملة من الأدعية أو الزيارات الّتي تنسب إلى الإمام المهدي (عليه السلام) . . . من ذلك : ما ينقله المؤرّخون من ( دعاء ) يرتبط بتمجيد المعصومين (عليهم السلام) ، بضمنه التمجيد المرتبط بشخصيّة الإمام (عليه السلام)ذاته . . . و قد استهل هذا الدعاء بتمجيد شخصيّة النبي (صلى الله عليه وآله) على هذا النحو : « اللّهمّ ، صلّ على محمّد سيد المرسلين ، و خاتم النبييّن ، و حجّة ربّ العالمين : المنتجب في الميثاق ، المصطفى في الظلال ، المطهّر من كلّ آفة ، البريء من كلّ عيب ، المؤمّل للنجاة ، المرتجى للشفاعة ، المفوّض إليه دِين اللّه ، اللّهمّ شرّف بنيانه ، و عظّم برهانه ، و أفلج حجّته ، و ارفع درجته ، و أضئ نوره ، و بيّض وجهه ، و أعطِه الفضل و الفضيلة ، و المنزلة و الوسيلة ، و الدرجة الرفيعة ، و ابعثه مقاماً محموداً ، يغبطه به الأوّلون و الآخرون . . . »([1]) . . . فالملاحَظ في هذا القسم من النصّ التشريعي ، أنّ صياغته تتمّ وفق سياقات خاصة ، طالما أشرنا إليها عند حديثنا عن ( أدب التشريع الإسلامي ) . . . من أنّ المشرّع الإسلامي لا يُعنى بالصياغة إلاّ بقدر ما تستهدفه من تقرير الحقائق العباديّة ، و هي حقائق تتمّ صياغتها حيناً بلغة الفنّ ، و حيناً بلغة العلم ، و حيناً بالتأرجح بين لغة العلم و الفنّ ، حتّى أنّ الشكل التعبيري الواحد ( مثل الدعاء أو الزيارة أو الحديث ) يأخذ صياغات متفاوتة ، . . . فبعض الأدعية مثلا تشحن بعناصر إيقاعيّة و صوريّة مكثّفة ، و بعضها بنسبة أقل ، و بعضها لا أثر للإيقاع و للصورة فيه . . . و المهم ، أنّ النصّ المتقدّم ينتسب إلى صياغة تغلب عليها لغة العلم ، موشّحة بشي من لغة الفنّ حيث يرِدُ ( الإيقاع ) عابراً في بعض عباراتها ، كما ترِدُ ( الصورة ) عابرة أيضاً ، مع ملاحظة أنّ أدوات ( العنصر اللفظي ) من تقابل و تكرار و تتابع للعبارات ، تسيطر على لغة النصّ المشار إليه ، . . . فضلا عن خضوعه لنسق بنائي خاص ، يعدّ أهم عناصر الفنّ ، كما أنّه العنصر الّذي يُعنى به المشرّع الإسلامي ، نظراً لأنّ ( الفكر ) الّذي يستهدف المعصوم (عليه السلام)توصيله ، لابدّ أن يخضع لعمارة خاصة من العرض ، حتّى يحقق فاعليّتة المطلوبة . . . و حين نعود إلى النصّ المتقدّم ، نجد ـ كما أشرنا ـ أنّه يخضع أوّلا لبناء هندسي خاص هو : استهلاله بالصلاة على محمّد (صلى الله عليه وآله) و بتمجيده في عبارات متنوّعة يختص بها (صلى الله عليه وآله) دون سواه من المعصومين (عليهم السلام) ، ثمّ يصوغ صلوات ذات صياغة مشتركة لكلّ معصوم على هذا النحو : ( إمام المؤمنين ، و وارث المرسلين ، و حجّة ربّ العالمين ) : عدا شخصيّة الإمام عليّ (عليه السلام) حيث يخصه بعبارة ( أمير ) بدلا من ( إمام ) ، و بعبارة ( قائد الغرّ المحجّلين ) و ( سيّد الوصيّين ) ، . . . و عدا شخصيّة الإمام المهدي (عليه السلام) حيث يوظّف ما تبقّى من الدعاء لتمجيد شخصيته (عليه السلام)بنحو يتناسب مع طبيعة العلاقة الاجتماعيّة و العباديّة بين الناس و بين شخصيّة العصر ، بحيث تواجهنا عبارات من نحو : « اللّهمّ و صلّ على وليّك المحيي سنّتك . . . اللّهم نوّر بنوره كلّ ظلمة ، و هدّ بركنه كلّ بدعة ، و اهدم بعزّه كلّ ضلالة ، و اقصم به كلّ جبّار ، و أخمد بسيفه كلّ نار ، و أهلك بعدله جور كلّ جائر ، و أجر حكمه على كلّ حكم ، و أذلّ بسلطانه كلّ سلطان ، اللّهمّ أذلّ كلّ من ناواه ، و أهلك كلّ من عاداه ، و امكر بمن كاده ، و استأصل من جحد حقّه ، و استهان بأمره ، و سعى في إطفاء نوره ، و أراد إخماد ذكره . . . » . طبيعياً ، أنّ فقرة ( اللّهمّ ) تتكرّر في مقاطع متنوّعة ، مشيرة بذلك ـ من حيث عمارة النص ـ إلى تنوّع الموضوعات ذاتها ، و انتقال النصّ من موضوع إلى آخر : لكن من خلال ربطها بالبناء الفكري العام للدعاء . . . و لذلك ختم هذا النصّ بفقرات تتجانس مع البداية ، بحيث جاءت النهاية و البداية مرتبطتين عضوياً ، حيث كانت البداية ( تفصّل ) الصلاة على كلّ معصوم ، و جاءت النهاية ( تجمل ) ذلك ، على هذا النحو : « اللّهم صلّ على محمّد المصطفى ، و عليّ المرتضى ، و فاطمة الزهراء ، و الحسن الرضا ، و الحسين المصفّى ، و جميع الأوصياء مصابيح الدُّجى ، و أعلام الهدى ، و منار التُّقى ، و العروة الوثقى ، و الحبل المتين ، و الصراط المستقيم . . . » الخ . و الآن : إذا غادرنا عنصر ( البناء الفنّي ) للنصّ ، و اتجهنا إلى أدواته اللفظيّة و الإيقاعيّة و الصوريّة ، نجد ـ كما أشرنا ـ أنّ هذه الأدوات توشّح النصّ وَفْق نسب متفاوتة تظل صياغتها متناسبة مع طبيعة الدعاء الّذي أُنشئ أساساً للتلاوة في أوقات مخصوصة يتلوها العامي و المتوسط و العالم . . . لذلك جاءت عباراتها متأرجحة بين اللغة المصورة و اللغة المقررة ، حيث إنّ عبارات من نحو ( و هي في تمجيد النبي (صلى الله عليه وآله) ) : « المنتجب في الميثاق » ، « المصطفى في الظلال » تُعدّ عبارات ذات بُعد « صوري » ملحوظ . . . كما أنّ عبارات من نحو : « المرتجى للشفاعة » ، « المؤمّل للنجاة » تعدّ عبارات علميّة غير مصوّرة . . . كذلك نجد أنّ عبارات ـ و هي في تمجيد شخصيّة العصر ذاتها ـ من نحو : « اللّهمّ أذلّ كلّ من ناواه » ، « و أهلك كلّ من عاداه » تعدّ غير مصوّرة ، . . . و لكن عبارات من نحو « اللّهمّ نوّر بنوره كلّ ظلمة » ، « و هدَّ بركنه كلّ بدعة » تُعدّ صوريّة كما هو واضح ، . . . هذا يعني أنّ صياغة النصّ روعي فيها التوجّه إلى مطلق الأشخاص الّذين يتطلّعون إلى شخصيّة العصر (عليه السلام) ، بغضّ النظر عن مستوياتهم الثقافيّة ، بحيث يمكن للعادي من الناس أن يدرك دلالة « المرتجى للشفاعة » أو « المؤمّل للنجاة » ، و بحيث يمكن لغير العادي أن يفقه دلالة العبارة الّتي تقول بأنّه (صلى الله عليه وآله) « المصطفى في الظلال » مثلا . . . .و المهم ـ بعد ذلك كله ـ أنّ عنصر الصورة ، أو الإيقاع يظلّ منتثراً في هذه العبارة أو تلك ، موظّفاً لإنارة بعض الدلالات الّتي يتطلّب توضيحها مثل هذه الصور ، أو لإثارة الحسّ الجمالي لدى القارئ فيما تتطلب العنصر الإيقاعي . . . لذلك نواجه صوراً من نحو : ( شرّفْ بنيانه ) ، ( أضئ نوره ) ، ( بيّض وجهه ) ، ( نوّر بنوره كلّ ظلمة ) ، ( هدَّ بركنه كلَّ بدعة ) ، ( أهدم بعزّه كلَّ ضلالة ) ، ( أقصم به كلَّ جبار ) ، ( أخمد بسيفه كلَّ نار ) ، ( أهلك بعدله جور كلّ جائر ) ، ( استأصِلْ من جحد حقّه ) ، ( سعى في إطفاء نوره ) ، ( أراد إخماد ذكره ) ، الخ . . . كما نواجه عبارات مقفّاة من نحو : ( شرّفْ بنيانه ، و عظّم برهانه ) ، ( افلج حجّته ، و ارفع درجته ) ، ( أعطه الفضل و الفضيلة ، و المنزلة و الوسيلة ) ، ( أقصم به كلَّ جبار ، و اخمد بسفيه كلّ نار ) ، ( أذلّ كلّ من ناواه ، و أهلك كلّ من عاداه ) . . .الخ . لا شكّ أنّ أمثلة هذه العبارات المقفّاة تزيد من جماليّة النصّ و تهبه عنصراً يساهم في إمتاع القارئ و إرواء حسّه الجمالي ، . . . كما أنّ الصور المتنوعة الّتي لحظناها و هي جميعاً استعارات ، تهبه جماليّة أيضاً ، فضلا عن كونها تساهم في تعميق الدلالة . . . و الأهم من ذلك أنّ هذه الصور تتميّز بكونها ( استعارات ) و ( تمثيلات ) فحسب دون أن تتنوّع أشكالها من تشبيه ، استدلال ، فرضيّة . . الخ ، حيث يصبح مثل هذا الحصر للصور في التركيبة الاستعاريّة و التمثيليّة شيئاً له دلالته الفنّيّة ، من حيث خضوع النص لــ ( وحدة الصورة ) ، و هي وحدة تتجانس مع ( وحدة الموضوع ) أيضاً ، لأنّ الموضوع هو : تمجيد أهل البيت (عليهم السلام) ، و حينئذ عندما ( تتوحّد الصور ) إنّما تتجانس بذلك مع ( وحدة الموضوع ) و هو أمر له أهمّيته الفنّيّة الكبيرة من حيث البناء الهندسي للنصّ ، علماً بأنّ الصور التمثيليّة تفرضها طبيعة التعريف بشخصيّة المعصوم (عليه السلام) ، و الصور الاستعاريّة تفرضها طبيعة اكتساب الظواهر : تبادُلَ السمات فيما بينها لغرض توضيحها بشكل أكثر جلاء . . . ليس هذا فحسب ، بل إنّ الصور تمضي بنحوها المألوف جدّاً لا ضبابيّة فيها و لا تعقيد ، . . . إنّها واضحة كلّ الوضوح ، يحياها القارئ في تجاربه اليوميّة ، . . . لكنّها تنطوي على دلالات عميقة العمق . . . فقوله ـ على سبيل المثال ـ : « و اخمد بسيفه كلّ نار » تبدو ( الصورة ) فيها واضحة ، بسيطة . . . لكنّها تلتقط أدقّ الظواهر من السلوك الاجتماعي الّذي يحياه الناس ، حيث إنّ شيوع الفتن تشبه تماماً ظاهرة ( النار ) الّتي تأتي على الأشياء جميعاً . . . كذلك فإنّ الفتن تأتي على جميع المواقف أو الأفكار الأصيلة . . . و هكذا سائر الصور من نحو : « مصابيح الدجى ، و أعلام الهدى ، و منار التّقى ، و العروة الوثقى ، و الحبل المتين ، و الصراط المستقيم » . . . فهذه الصور ( التمثيليّة ) تبدو واضحة ، جليّة ، . . . إلاّ أنّها ذات عمق و شموليّة متنوعة في دلالاتها ، فالمصباح ، و العلم ، و المنار ، و العروة ، و الحبل ، و الصراط يحمل كلّ منها دلالة متميزة على الأخرى ، كما أنّ كلاّ منها يصبّ في مُعطى عبادي له سمته الخاصّة به . . . فالمصباح ينير فكرياً ، و العلم يشير إلى الانتماء فكرياً و مصيرياً ، و الحبل يشير إلى تأمين الموقف أُخروياً ، و هكذا . . .
|
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|