نَشَرَ سَماحَةُ القائِد السَّيّد مُقتَدَىٰ الصَّدر (أعَزّهُ اللّٰهُ) فِي حِسابِهِ الشَخصِيّ عَلىٰ مِنصَّةِ التواصُلِ الإجتماعِيّ "إكس" بتاريخ ٢٤ / ٤ / ٢٠٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم

أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله
وأشهدُ أنّ محمّداً رسول الله
وأشهدُ أنّ علياً ولي الله
إنها الشهادات الثلاث التي يشهد بها الإمامية الإثنا عشرية، أنّ الله واحد لا شريك له وأن محمداً عبد الله ورسوله، وإن علياً ولي الله ووصي رسول الله. وكل من لا يعترف ولا يقرّ ولا يذعن ولا يؤمن بذلك فهو ليس من المذهب الإمامي في شيء.
وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك طوائف ومذاهب قد نصبت العداء لآل البيت وأتباعهم.. فكانوا وما زالوا ينعتون (الشيعة) بالشرك والمشركين.
فعندهم أن الاستعانة بغير الله شرك.. والاستغاثة بغيره شرك.. والقسَم بغير الله شرك.. ونحن نقرّ بذلك.
بل ويستدلّون بآية كريمة: (أَلا لِلهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفِى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ).
نعم، كل من يعتقد أن هناك من يدبّر الأمر بغير الاستعانة بالله وقدرته فهو ليس مشركاً فحسب بل هو كافر وليس من الإسلام والمذهب في شيء.
فالآية تقول: (ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى) وإذ نُشَفِّع المعصومين فإننا نتخذهم شفعاءً لا أرباباً مع الله أو من دونه.
وإنني هنا لا أريد أن أجعل الإمامية في محلّ تهمة أمام النواصب الجهلة.. بل جلّ ما أريده هو تبيان عقيدتنا أمام كل منصف وأمام كل ذي لبّ.
وإذ يتخذ الإمامية المعصومين أولياء فإنما يتخذونهم أولياء لله تعالى وليس أولياء من دون الله، والآية أعلاه تنصّ: (والذين اتخذوا {من دون الله} أولياء) وتنصّ كما قلنا: (ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى). (وما) نعبدهم.. هي كـ (ما) الموصولة وإن كانت نافية، أي: إنما نعبدهم ليقربونا الى الله زلفى.
وبمعنى آخر: إن هناك طريقتين للتقرّب إلى الله تعالى:
الأولى: عبادة شخص أو صنم ليقرّب العبد إلى الله.
الثانية: يتولى أولياء الله ويستشفعهم ليقرّبوه الى الله زلفى.
والأولى شرك، والثانية ليست من الشرك في شيء.. فليس يعدل بالله وبعبادته أحد على الإطلاق.
فما مُحمّد رسول الله إلا عبدًا لله وما عَليّ أمير المؤمنين إلا عبدًا لله.. بل هما أفضل عباده على الإطلاق وبلا منازع كما يعبرون.
بل هما وذريتهما أولياء لله لا من دون الله.. فباب علي هو الباب الوحيد الذي لم يغلقه رسول الله.. وبابه باب الله تعالى في كل الأمور الدنيويّة والأخرويّة على حدٍ سواء.
فكأنّ مضمون الآية بعقيدة الشيعة: (ألا إن الدين الإسلامي الحقيقي خالص لله تعالى.. وإنما نتخذ من الله وفي الله أولياء نصّ عليهم على لسان رسوله الأمين محمد صلى الله عليه وآله.. ليقرّبونا إلى الله زلفى إذا اشتدّت آثامنا أو اشتدّ بلاؤنا أو ابتعدنا عن الله وأيامه.. أو استحيينا من كثرة الدعاء المباشر إلى الله فنتخذ أولياءه شفعاء لله ليُنجح الله تعالى بهم طلِبتَنا.
فإن قيل: إن اتخاذهم أولياء وشفعاء في إنجاح الطلِبة إنما هو في حياتهم لا مماتهم.
قلنا: جواب ذلك بعدة مستويات، منها:
المستوى الأول: إن ذوي المناصب الإلهية السماوية إن جاز التعبير.. تستمر مناصبهم الإلهية السماوية حتى بعد موتهم ويجب الإيمان بهم وبنبوّتهم ورسالتهم وإمامتهم وولايتهم.. لا كالمرجع على بعض الفتاوى أو كالطبيب في عدم إمكان مراجعته في عيادته.. فعيادتهم معنوية وطبابتهم ربانية.
المستوى الثاني: إنهم ضمن قوله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) وكلهم.. أعني السادة والقادة الأربعة عشر.. هم قتلوا في سبيل الله.. إلا مولاي صاحب الزمان فهو حي يرزق.. متعنا الله ببركاته وفيوضاته.
إذن، هم أحياء (عند ربهم) يُرزَقون.. ويَرزُقون... ويفيضون علينا بفيوضاتهم الربانية ورشحاتهم القدّوسية، كل ذلك بتخويل من الله تعالى وتحت أمره الذي هو (كن فيكون) كما خوّل الملائكة والرسل فقد خوّلهم بما ينفع عباده.
المستوى الثالث: إنهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.. فانون في الله تعالى.. والفاني الحقيقي في الله لا يموت كموت باقي البشر، كما في قوله تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) وعطف موت البشر على موت رسول الله.. يقتضي المغايرة لغة لا التطابق.. فتأملوا.
فموتهم فناء وموت الآخرين زوال.. ولا زوال لأولياء الله... فهم (وجه الله) وقد قال تعالى: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) ووجهه أي من يمثله في أرضه وسمائه.. ومن لم يرض بقضائي فليخرج من أرضي وسمائي.. وهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.. قضاء الله الذين لا مناص عن طاعتهم وولايتهم والإيمان بهم.

نعم، (كل من عليها فان) بمعنى الموت.. إلا إنهم سلام الله عليهم ليسوا (عليها) بل هي منهم فما خلق الله من شيء إلا من أجلهم.. فهم فيها وليسوا عليها فأرواحهم
في الأرواح وأجسادهم في الأجساد.
فلا يوهموكم أن الإمامية عَبَدة للمعصومين.. إنما نحن عبيدهم وإماؤهم.. فنحن مَواليهم أي مملوكون لهم وهم أولياؤنا فهم أسيادنا وقادتنا الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وأمرنا بمودّتهم.
وكل أئمتنا سلام الله عليهم هم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بالأفضلية عند الله إلا علي.. فهو وابن عمّه أبوا هذه الأمة وهو بمنزلة هارون من موسى إلا إنه لا نبي بعد رسول الله خاتم الرسل. فمُحمّدٌ خير البشر وعَليٌّ وصي خير البشر وإمام الأئمة وباب الله الذي منه يؤتى.. ثبتنا الله على ولايتهم ومتعنا الله بشفاعتهم في الدنيا والآخرة.. واللعنة على من نصب لهم العداء في الدنيا والآخرة.

مقتدى الصدر

احسنتم النشر