آيات تلاها الامام الحسين (عليه السلام)خلال نهضته المباركة

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
احببت ان ابتدأ الكلام بدعاء لأمامنا الحسين(عليه السلام)وفيه يبدي ثقته العالية بالله(سبحانه وتعالى)
اللّهُمَّ اَنْتَ ثِقَتي في كُلِّ كَرْبٍ وَرَجائِي في كُلِّ شِدَّة وَاَنْتَ لي في كُلِّ اَمْرٍ نَزَلَ بي ثِقَةٌ وَعُدَّة كَمْ مِن هَمٍ يَضْعُفُ مِنهُ الفُؤاد وَيَقِلُّ فِيهِ الحِيَل وَيَخْذُلُ فِيهِ الصَّديق وَيَشمَتُ فِيهِ العَدوُّ اَنْزَلتُهُ بِك وَشَكَوتُهُ اِلَيْك رَغبَةً مِنّي اِلَيْك عَمَّنْ سِواكَ فَفَرَّجْتَهُ وَكَشَفتَهُ وَاَنْتَ وَليُّ كُلِّ نِعْمَةٍ وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ وَمُنْتَهىٍّ كُلِّ رَغبَة.....)(1)
لقد اراد الامام الحسين (عليه السلام)بنهضته المباركة ان تكون مثالية في كل الجوانب ومتكاملة من كل النواحي فهي مضافا الى ما اشتملت عليه من خطب وادعية ومحاورات ومواقف فقد زينها الامام الحسين (عليه السلام) بتلاوته لآيات من الذكر الحكيم وانا هنا لا اقصد تلك التلاوة الشخصية ان صح التعبير فهو (سلام الله عليه)حليف القران وترجمانه ولكني في بحثي المتواضع هذا احببت ان اسلط الضوء على تلك الآيات التي تلاها الحسين (عليه السلام) في مواقف متعددة خلال نهضته المباركة ليكون (سلام الله عليه )مصداقا عاليا لتلك الآيات مبتغيا من وراء ذلك أخذ العبرة والدروس فما من حركة او سكنة او قول او فعل الا له(سلام الله عليه ) فائدة او قل فوائد جمة وحيث ان المواقف كثيرة حيث بدأ الحسين (عليه السلام)نهضته المباركة بتلاوة القران الكريم وختمها ايضا بالقران فقد كان رأسه الشريف يتلو الآيات من سورة الكهف كما انه عند خروجه من المدينة تلى قوله تعالى (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ) لذا فأني لا يسعني استدراج جميع تلك المواقف لذا فأنني سأختصر على بعض منها مستمدا من الله التوفيق راجيا منه القبول

اولاً: قال تعالى : {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [يونس : 41]
لقد استشهد الامام الحسين عليه السلام بهذه الآية في موطنين هما :-
1 عندما بعث يزيد عليه اللعنة والعذاب بثلاث كتب (2)
الاول :- لابن عباس
الثاني :- الى عمرو بن سعيد وامره ان يقرأه على الموسم
الثالث :- الى اهل المدينة من قريش وغيرها وقد اوضح في الكتاب ما بينه وبين الحسين عليه السلام من الرحم داعياً لمن ارسل اليهم ان يثنوه عما اقدم عليه من الذهاب الى الكوفة مبدياً استعداده ان يزيد في عطاء الحسين عليه السلام واضعا على ذلك العهود والمواثيق الغليظة وقد ذيل كتابه بأبيات من الشعر وقد ارسل اهل المدينة بتلك الابيات الى الحسين (عليه السلام) دون ان يعلموه انها من يزيد فلما قرأها الحسين( عليه السلام) علم انها منه فرد عليهم بكتاب عبارة عن الآية المارة الذكر
2- لما خرج الحسين عليه السلام من مكة اعترضته رُسل عمرو بن سعيد بن العاص ، وعليهم يحيى بن سعيد . فقالوا له : انصرف اين تذهب ؟ فأبى عليهم ومضى وتدافع الفريقان فاضطربوا بالسياط ثم ان الحسين واصحابه امتنعوا منهم امتناعا شديدا ومضى الحسين (عليه السلام) على وجهه فنادوه يا حسين الا تتقي الله ؟ تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الامة ! فتأول الحسين قول الله عز وجل (لي عملي ولكم عملكم انتم بريئون مما اعمل وانا بري مما تعملون ) (3)

يقول صاحب كتاب تفسير الامثل في معرض تفسير الآية
إِنّ لإِعلان الترفع وعدم الاهتمام هذا، والمقترن بالاعتماد والإِيمان القاطع بالمذهب، أثراً نفسياً خاصاً، وبالذات على المنكرين المعاندين، فهو يفهمهم بعدم وجود أي إِجبار وإِصرار على قبولهم الدعوة الإِسلامية بل إِنّهم بعدم تسليمهم أمام الحق سيحرمون أنفسهم، ولا يضرون إلاّ أنفسهم.
وقد ورد نظير هذا التعبير في آيات أُخرى من القرآن، كما نقرأ في سورة الكافرون: (ولكم دينكم ولي دين). ............ بل إنّ هذا نوع من المواجهة المنطقية عن طريق عدم الاكتراث لهؤلاء الأشخاص المعاندين.

اقول ان الحسين (عليه السلام) ومن خلال موقفه هذا يعطينا درسا في الثبات على المبدأ وعدم تزعزعه امام الضغوطات وحمل الناس على اتباع الحق ان قبلوا ذلك والا تتبرأ منهم لئلا يحملوك على باطلهم


ثانيا : قال تعالى : ((إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))(ال عمران الاية33 )
ذكرت هذه الآية في موطنين

اولاً: ان محمد بن الأشعث قال: لعنة الله عليه يا حسين اية حرمة لك من رسول الله صلى الله عليه واله ليست لغيرك فتلى الحسين عليه السلام هذه الآية ( ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض )(ال عمران الآية(34)(4)
وان محمداً لمن ال ابراهيم
ثم رفع الحسين (عليه السلام) رأسه الى السماء فقال :اللهم ار محمداً بن الأشعث ذلا في هذا اليوم لا تعزه بعده أبداً فعرض له عارض فخرج من المعسكر يتبرز فسلط الله عليه عقرباً فلدغته فمات بادي العورة

ثانياً: مصرع علي الأكبر بن الحسين(عليه السلام) على يد مرة بن منقذ العبدي:(5)
فاستأذن أباه في القتال، فأذن له .ثم نظر اليه نظرة آيس منه، وأرخى عينيه فبكى. ثم رفع سبابتيه نحو السماء وقال: "اللهمَّ‏ كُن أنت الشهيد عليهم، فقد بَرزَ إليهِم غلام أشْبهُ الناسِ خَلْقاً وخُلُقاً ومَنْطقاً برسولِك محمَّدٍ صلى الله عليه واله وكنَّا إذا اشتقْنَا إلى وجه رسولك نظرنا الى وجهه، اللهمَّ‏ فامنعْهُمْ بركاتِ الأرضِ، وان منعتهم ففرِّقهُمْ تفريقاً، ومزِّقْهُم تمزيقاً، واجعلْهُم طرائقَ قِدَداً، ولا تُرْضِ الوُلاةَ عنهم أَبَداً، فإنَّهم دَعَوْنا ليَنْصُرونا، ثم عدوا علينا يُقاتِلُونَنَا ويقتلوناثم صاح الحسين (عليه السلام) بعُمرَ بنِ سعدٍ: "ما لكَ ، قطَعَ اللهُ رَحِمَك ولا بارك لك في امرك، وسلط عليك من يذبحك على فراشك، كما قطعت رحمي ولم تحفَظْ قرابتي من رسولِ اللهِ صلى الله عليه واله "ثم رفع صوته وقرأ: ((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(آل عمران:الاية 33-34 )

جاء في تفسير كتاب الميزان : : أن الله اصطفى هؤلاء على العالمين، وإنما سرى الاصطفاء إلى جميعهم لأنهم ذرية متشابهة الأفراد، بعضهم يرجع إلى البعض في تسليم القلوب وثبات القول بالحق، وإنما أنعم عليهم بالاصطفاء على العالمين لأنه سميع عليم يسمع أقوالهم ويعلم ما في قلوبهم

اقول : ان القران شاهد على ان ال محمد صلوات الله عليهم اجمعين هم من ال ابراهيم :
﴿إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا﴾ الآية: آل عمران: 68، وقوله تعالى: ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا - إلى أن قال - ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم﴾( البقرة: 129.)

كما ان هنالك اطروحة تنفع في المقام وهي ان آل عمران هم آل ابي طالب وذلك لكون اسم ابي طالب هو عمران وهذا ما ذكره السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس في الشذرات :
أقول: إنه يوجد احتمال معتد به أن اسم أبي طالب هو [عمران] وذلك لأمرين:
أحدهما: التزام هذا النسل بما فيهم عبد المطلب نفسه بالحنفية، وهو لا يعبِّد أولاده لغير الله
تعالى، فلا يسمي ابنه عبد مناف الذي هو اسم صنم.

ثانيهما: إن أولاده يكونون مصداقاً للعنوان الوارد في القرآن الكريم: (وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) فيكونون هم الأفضل حقيقة.

الدرس الذي نستفيد من هذه الواقعة ان اصطفاء الله سبحانه وتعالى للأفراد تابع لما يتحلون به من صفات تؤهلهم للقيام بما اراد الله منهم من مهام لذا فلنسعى جاهدين للتحلي بالصفات التي تؤهلنا لان نكون من الذين يصطفيهم الامام بما يريد من اعمال

ثالثاً : بسم الله الرحمن الرحيم
(ام حسبت ان اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا )(الآية 9 سورة الكهف)
لقد استشهد راس الامام الحسين عليه السلام بآيات من سورة الكهف في مواطن ثلاث كما ذكرها السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس في كتابه اضواء على ثورة الامام الحسين عليه السلام :
اولاً: تلاوة الرأس الشريف لآيات من سورة الكهف الشريفة
تكلم الرأس الشريف :
نقل التاريخ [عن زيد بن أرقم وهو أحد الصحابة، وقد كان يومئذ بالشام أنه سمع رأس الحسين(عليه السلام) يتلو قوله تعالى: [أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا]
فقال زيد بن أرقم: سيدي رأسك أعجب وأغرب]

ثانياً: ولما حمل الرأس الشريف إلى دمشق ونصب في مواضع الصيارفة. وهناك لغط المارة وضوضاء المتعاملين فأراد سيد الشهداء توجيه النفوس نحوه ليسمعوا عضاته، فتنحنح الرأس تنحنحاً عالياً. فاتجهت إليه الناس، واعترتهم الدهشة حيث لم يسمعوا رأساً مقطوعاً يتنحنح قبل يوم الحسين(عليه السلام) فعندها قرأ سورة الكهف إلى قوله تعالى:
[إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى]


ثالثاً: ويحدث بن وكيدة: انه سمع الرأس يقرأ سورة الكهف فشك في أنه صوته أو غيره، فترك القراءة والتفت إليه يخاطبه: [يا ابن وكيدة أما علمت أَنا معشر الأئمة أحياء عند ربهم يرزقون].

اقول ولست الان بصدد تفسير تلك الآيات التي تلاها الرأس الشريف وانما اريد ان اخرج بعدة فوائد او معاني من تلاوة تلك الآيات دون غيرها خصوصا بعدما اسلفنا القول بان أي حركة او قول للأمام فيها فوائد جمة مضافا الى قاعدة الجري التي نطق بها المعصومين عليهم السلام واثبتوها للقران الكريم متخذا في ذكرها طابع الاطروحات :
اولاً: ان في ذلك حثاً على تعاهد القران وعدم هجرانه بصورة عامة وهذه السورة بصورة خاصة خصوصا بعد ان نقرأ ما ورد عن امامنا الصادق عليه السلام في فضل سورة الكهف (من قرأ سورة الكهف في كل ليلة جمعة لم يمت الا شهيدا وبعثه الله مع الشهداء ووقف يوم القيامة مع الشهداء )

ثانياً: ان فيها اشارة الى ان الامام الحسين عليه السلام واصحابه هم مصداق لأصحاب الكهف بل افضل خصوصا بعد ما نقرأ في الصلوات الشعبانية قول المعصوم عليه السلام ( اللهم صل على محمد وال محمد الكهف الحصين وغياث المضطر المستكين ) فالحسين عليه السلام كان بمثابة الكهف الذي آوى اليه اصحابه رافضين بذلك الظلم والاستبداد فاذا ثبت ذلك يمكن ان نقول ما ثبت لأصحاب الكهف فهو ثابت للأمام الحسين عليه السلام واصحابه وزيادة وذلك للمقام الذي يتمتع به الامام الحسين (عليه السلام )
1 – هم نطقوا بالحق مع قلتهم وكثرة اهل الباطل مستمدين بذلك العون من الله سبحانه وتعالى
2- كثرة الاقوال في اعدادهم والاختلاف في ذلك
3- بناء مسجد على قبورهم وهذا ما حصل فعلا للإمام الحسين عليه السلام واصحابه
4 -انهم رجعوا بعد الموت

ثالثا :- بعد ثبوت كون الامام الحسين (عليه السلام) هو الكهف الحصين فيمكن القول ان في تلاوة تلك الآيات من الرأس الشريف اشارة الى ان الذي يأخذ بثأري هو الامام المهدي (عليه السلام) واصحابه هم الفتية الذين آووا الى الكهف وهو إمامهم وهذا ما نصت عليه الروايات حيث انهم يجتمعون اليه من كل البقاع حتى يفتقد الرجل من فراشه وهذا تأويل قوله تعالى ( اينما تكونوا يأتي بكم الله جميعا) فأصحاب الامام المهدي (عليه السلام) فتية وان الشيوخ فيهم كالملح في الزاد كما نصت الروايات بذلك فهم الذين يطلبون بثأره


نتائج البحث
1- التدبر فيما يصدر من المعصومين سلام الله عليهم والقادة الربانيين لتحصيل الفوائد التي تؤهلنا للارتقاء في سلم التكامل
2- خلق علاقة مع القران الكريم وذلك بتعاهد قرائته وعدم هجرانه اسوة بأئمتنا سلام الله عليهم وقيادتنا المتمثلة الان بسماحة السيد القائد مقتدى الصدر اعزه الله
3- ان نيل المقامات العليا والفوز باصطفاء المعصوم (عليه السلام) لا يكون بالتمني وكثرة الدعاء وانما بالعمل الجاد وبالتحلي بالصفات التي تؤهله لذلك
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وال بيته الطيبين الطاهرين



المصادر

(1) (لواعج الأشجان للسيد الامين ص 108 ط نجف)
(2) (تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي، ص 248 ط2 نجف)
(3) (تاريخ الطبري ج6 ص 217 ط أولى مصر)
(4) (لواعج الأشجان ص 151)
(5) (مقتل الخوارزمي ج2 ص30)
(6) شذرات من فلسفة تأريخ الامام الحسين(عليه السلام)

اللهم صل على محمد و آل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
البحث القيم ............جعله الله في ميزان حسناتك

مميز جزاك الله الف خير

احسنت وبارك لله بك على البحث المتميز

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام
احسنتم وجزيتم خير الجزاء.
جعل الله ما كتبت في هذا البحث مواساة مقبولة ان شاء الله لسيد الشهداء واهل بيته وصحبه الميامين ووفقكم للمواساة الحقيقية حين نرخص الدماء مع امامنا المهدي عليه السلام عندما يأذن الله جلَّ شأنه وينادي المنادي يالثارات الحسين.
عظم الله لكم الاجر واحسن لكم العزاء.