![]() |
![]() |
![]() |
|
منبر تفسير القرآن ألكريم وبحوثه مخصص لمواضيع التفسير والبحوث القرآنية |
![]() ![]() |
|
![]() |
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
![]() |
#1 |
|
![]()
سورة الأنعام 91 وحيث ذَكَرَ سبحانه أنه أعطى الأنبياء الكتاب، ردّ على مَن زَعَمَ أنه سبحانه لم يُنزل كتاباً، فقد ورد أنّ حبراً من أحبار اليهود جاء إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال له النبي: "أُنشدك بالذي أنزل التوراة أنّ لله سبحانه يبغض الحبر السمين -وكان اليهودي سميناً-"، فغضب وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فقال له أصحابه: ويحك ولا موسى؟ ف،زل الله هذه الآية ((وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ))، أي ما عظّموه سبحانه حقّ تعظيمه الذي يليق به ((إِذْ)) نسبوا إليه الكذب فـ ((قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ))، أي لم ينزل على رسول كتاباً من السماء، كما قال ذلك اليهودي، إنّ معنى عدم إرسال الرُسُل وإنزال الكتب أنّ الله خَلَقَ الخلق عبثاً واعتباطاً، ومن المعلوم أنّ نسبة العبث إلى شخص عادي موجبة لإهانته وعدم تقديره، فكيف بالله الحكيم والعليم؟ ((قُلْ)) يارسول الله لإبطال كلامهم فـ ((مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى)) (عليه السلام)، أليست التوراة من إنزال الله تعالى؟، وإنما ذَكَرَها لكون طرف الكلام يهودياً ((نُورًا وَهُدًى))، أي في حال كون كتابه (عليه السلام) نور يهدي الناس إلى مناهج الحياة الصحيحة، وهداية ((لِّلنَّاسِ)) إلى الحق ((تَجْعَلُونَهُ))، أي تجعلون ذلك الكتاب ((قَرَاطِيسَ))، أي تكتبونه، وهذا لزيادة التأكيد، أي: فكيف تنكرون ما تلقّيتموه أنتم بالقبول وكُنتم تكتبونه في القرطاس، باعتبار أنه كتاب سماوي مُنزَل من عند الله سبحانه ((تُبْدُونَهَا))، أي تُظهرون بعضها حيث كانوا يكتبون بعض الأحكام الموجودة في التوراة في أوراق ويعطونها بيد الناس ((وَتُخْفُونَ كَثِيرًا)) من التوراة لأجل كونها خطراً على مادياتهم أو جاههم، أو فيه الدلالة على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَعُلِّمْتُم)) أيها اليهود ببركة التوراة المنزلة على موسى ((مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ)) فإنكم لولا كتاب الله المنزَل لم تكونوا تعلمون أشياء، فكيف تنكرون إنزال الله الكتاب، وتقولون (ما أنزلَ الله على بشرٍ من شيء)؟ ((قُلِ)) يارسول الله ((اللّهُ)) نزّل الكتاب على موسى ((ثُمَّ ذَرْهُمْ))، أي دعهم ((فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)) فهم وما خاضوا فيه من الباطل والكذب أنهم يلعبون بالدين فذرهم وما هم فيه. سورة الأنعام 92 ((وَ)) كما أنزلنا الكتاب على موسى كذلك ((هَذَا)) القرآن ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ)) إليك يارسول الله ((مُبَارَكٌ)) يوجب البركة والسعادة ((مُّصَدِّقُ)) الكتاب ((الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ))، أي قبله من التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية، ومن المعلوم أنّ تصديق أصل الكتاب لا يلازم تصديق التحريفات التي طرأت عليه ((وَلِتُنذِرَ)) يارسول الله ((أُمَّ الْقُرَى))، أي مكة، وإنما سمّيت بها لأنّ الأرض دُحيت من تحتها ((وَمَنْ حَوْلَهَا)) من سائر أهل الأرض ((وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ)) من أهل الكتاب وغيرهم ((يُؤْمِنُونَ بِهِ))، أي بالقرآن المنزَل عليك، فإنّ الإيمان بالآخرة يوجب خوفاً في القلب، ينبعث منه إتّباع الحق أينما وُجد، وفيه تعريض بمن لا يؤمن من أهل الكتاب، فإنه غير مؤمن بالآخرة ((وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ)) فيؤدّونها لأوقاتها، فمن يترك الصلاة ليس بمؤمن بالآخرة والقرآن وإن ادّعى الإيمان. سورة الأنعام 93 وحيث كان الكلام حول الوحي، ومن قال بعدم الوحي إطلاقاً، ناسَبَ ذلك التنديد بمن قال بالوحي كذباً ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا)) نزلت في إبن أبي سرح الذي إستعمله عثمان على مصر وقد هَدَرَ رسول الله دمه وكان حسن الخط من كتّاب الوحي فإذا قال له الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): "أُكتُب أنّ الله عزيز حكيم" كَتَبَ: إنّ الله عليم حكيم، وهكذا، وكان يقول للمنافقين: إني أقول من نفسي مثل ما يجيء به، ثم ارتدّ كافراً إلى مكة وصار من الطلقاء يوم فتح مكة، ثم لا يخفى أنّ قوله (ومَن أظلم) على سبيل الحصر الإضافي كقوله (ومَن أظلم ممن مَنَعَ مساجد الله)، وغيره ((أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ)) كمسيلمة الكذابة الذي إدّعى النبوة كذباً، وكغيره ممن ادّعى هذا المنصب بالإفتراء نحو ((وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ)) من الآيات أو الأحكام، في المجمع قيل المراد به عبد الله بن سعد بن أبي سرح أملى عليه رسو الله ذات يوم: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين" إلى قوله (فنبارك الله أحسن الخالقين) فأملاه عليه وقال هكذا أُنزل فارتدّ عدو الله وقال: لئن كان محمد صادقاً فلقد أوحيَ إليّ كما أوحي إليه ولئن كان كاذباً فلقد قلتُ كما قال ((وَلَوْ تَرَى)) يارسول الله ((إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ))، أي في شدائد الموت عند النزع، كأنّ الموت بشدائده يغمرهم مرة فمرة، كما يغمر الماء الغريق ((وَالْمَلآئِكَةُ)) القابضة لأرواحهم ((بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ)) لقبض أرواحهم بأبشع الوسائل يضربون وجوههم وأدبارهم قائلين لهم ((أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ)) من أجسادكم، وهذا للإذلال والإهانة، وإلا فليس خروج أنسفهم بإمكانهم بل بقدرة الله تعالى ((الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ)) أيها الظالمون ((عَذَابَ الْهُونِ)) فإنه ليس عذاباً جسدياً فقط بل معه ذلّة وهوان ((بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ))، أي جزائكم بعذاب الهون بسبب مقالكم المكذوب على الله حيث كنتم تقولون: أوحيَ إليكم، ولم يوحَ إليكم، ومعنى (على الله) أي بالنسبة إليه سبحانه ((وَ)) بما ((كُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ)) ودلائله ((تَسْتَكْبِرُونَ)) فلا تخضعون لأحكامه وأنبيائه، وجواب (لو) محذوف للتهويل، أي لو رأيت ذلك لرأيت أمراً فظيعاً مريعاً. سورة الأنعام 94 وهنا يوجّه الباري سبحانه كلامه إليهم ((وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا)) أيها الظالمون ((فُرَادَى))، أي في حال كونكم وحداناً لا مال لكم ولا مُدافِع بل واحداً واحداً ((كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)) حين جئتم إلى الدنيا ((وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ))، أي ما أعطيناكم من المال والاقرباء والخدم ((وَرَاء ظُهُورِكُمْ)) في دار الدنيا، فإنّ الإنسان باعتبار إقباله إلى الآخرة تكون الدنيا وراء ظهره ((وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ)) الذين إتّخذتموهم لأنفسكم شفعاء يشفعون لكم يوم القيامة ((الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء))، أي الأصنام التي كان المشركون يزعمون أنها شركاء الله سبحانه في الخلق والرزق وقضاء الحوائج، وقد كان المشركون يقولون: إنّ هذه الأصنام تشفع لنا يوم القيامة، ورد أنّ سبب نزول هذه الآية أن ّ النضر قال: سوف يشفع لي الّلات والعزّى ((لَقَد تَّقَطَّعَ)) أيها الظالمون ((بَيْنَكُمْ)) وبين الأصنام فلا مواصلة تنفع للشفاعة ((وَضَلَّ عَنكُم))، أي ضاع وتلاشى ((مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)) من الآلهة المزعومة فلا تجلب نفعاً ولا تدفع خيراً.
|
![]() |
![]() |
![]() |
#2 |
|
![]()
سورة الأنعام 95 إنّ أصنامكم لا تشترك مع الله في الخلق ولا في أيّ شيء من الشؤون بل ((إِنَّ اللّهَ)) وحده ((فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى))، أي يشقّ الحبة اليابسة الميتة ويُخرج منها النبات ويشقّ النوات للتمر فيُخرج منها النخل ((يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ)) فالنبات حيّ يُخرجه من الحبّة التي لا حياة فيها، والفرخ حيّ يُخرجه من البيض الميت، والولد الحي يُخرجه من الأم الميتة، والبعوض وأشباهه يُخرجه من الماء الميت، وهكذا ((وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ)) كالحبّة من النبات، والبيض من الدجاج، والجنين الميت من الأم الحية، والفضلات الميتة من الحي، وكأنّ التغيّر في العبارة (يُخرج) و(مُخرج) للتفنّن في العبارة الذي هو نوع من أنواع البلاغة ((ذَلِكُمُ اللّهُ))، أي ذلك الذي يضع كل ذلك -أيها البشر- هو الله وحده ((فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ))، أي تصرفون عن الحق إلى الباطل. سورة الأنعام 96 ((فَالِقُ الإِصْبَاحِ))، أي يشقّ عمود الصبح عن ظُلمة الليل ويُخرج الضياء من الظُلمة ((وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا)) تسكنون فيه وتهدئون عن العمل إذا أظلم ((وَ)) جعل ((الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا)) تجريان في أفلاكهما بحساب دقيق، وحسبان مصدر، وكونهما حُسباناً أي مصدري حساب وتوقيت، نحو زيد عدل، مما حمل المصدر على الذات مبالغة، فمن الشمس تتولّد الأيام، ومن القمر تتولّد الشهور والأعوام ((ذَلِكَ)) المذكور من فلق الإصباح وجعل الليل سَكَناَ والشمس والقمر حُسباناً ((تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ)) في سلطانه ((الْعَلِيمِ)) بمصالح العباد، فأيّ شيء يرتبط بأصنامكم أيها الضالون. سورة الأنعام 97 ((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ)) أيها البشر ((النُّجُومَ)) في السماء ((لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)) فإنّ الإنسان يعرف طريقه من النجم في الليالي فمن قَصَدَ مدينة نحو المشرق جعل النجم المشرقي أمامه، ومن قَصَدَ مدينة نحو المغرب جعله خلفه، وهكذا ((قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ)) الدالة على الخالق وصفاته ((لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ))، أي لهم علم ومعرفة بالأوضاع. سورة الأنعام 98 ((وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم))، أي خلقكم وأبدعكم ((مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ)) هي آدم (عليه السلام) ومن فضل طينته خُلقت حواء (عليها السلام)، إنه سبحانه القادر لمثل هذا الأمر العظيم ((فَـ)) لكم ((مُسْتَقَرٌّ)) في بطون الأمّهات ((وَمُسْتَوْدَعٌ)) في أصلاب الآباء، وإنما سمّي ذلك مستودعاً لأنّ المني يبقى قليلاً في الصُلب حتى ينزل فهو أشبه بالوديعة ((قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ))، أي الأدلة والحجج ((لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ))، أي يفهمون الأدلة كي يعلمون أنّ الله سبحانه هو الذي صنع كل ذلك. سورة الأنعام 99 ((وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء)) هو المطر، والمراد بالسماء جهة العلو، فإنّ كلّ ما عَلاك فأظلّك فهو السماء -في لغة العرب- ((فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ))، أي أخرجنا بسبب الماء نبات كلّ شيء قابل للإنبات من مختلف أقسام النباتات ((فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ))، أي من الماء، والتكرار لأنه أجمل أولاً، ثم أُريدَ التفصيل، أو الضمير عائد إلى النبات فإنّ النبت أولاً ليس أخضر وإنما أبيض صغير ثم يصير أخضر ((خَضِرًا)) هو بمعنى أخضر، أي نُخرج من ذلك زرعاً رُطَباً أخضر ((نُّخْرِجُ مِنْهُ))، أي من ذلك الزرع الأخضر ((حَبًّا مُّتَرَاكِبًا)) قد تركّب بعضه على بعض كحبّ الحنطة والشعير ((وَ)) يُخرج ((مِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا)) بدل (من النخل) ((قِنْوَانٌ))، أي أعذاق الرُطَب، فإنّ قنوان جمع قنو -بكسر القاف وضمها- وهو العِذق -بالكسر- ((دَانِيَةٌ))، أي قريبة التناول ((وَ)) أخرجنا منه ((جَنَّاتٍ))، أي بساتين ((مِّنْ أَعْنَابٍ)) جمع عنب ((وَ)) أخرجنا منه ((الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ))، أي شجرتيهما ((مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)) فبعض الأشجار والأثمار والأوراق والأزهار والحبّات متشابهة وبعضها غير متشابهة في اللون والطعم والحجم والخاصّيّة وغيرها، والإختلاف بين لفظي (مشتبه ومتشابه) من أحسن أنواع البلاغة لتطابق اللفظ والخارج ((انظُرُواْ)) أيها الناس ((إِلِى ثَمَرِهِ))، أي ثمر كل واحد من المذكورات ((إِذَا أَثْمَرَ)) فإنّ في ذلك دلالة عجيبة على الصانع تعالى ((وَ)) أنظروا إلى ((يَنْعِهِ))، أي نُضجه إذا نضج، فإنّ من نَظَرَ تأمّل واعتبار، عرف عظيم وجليل الخلقة ودقيق الحكمة، و(ينع) في اللغة بمعنى النضج وقيل جمع يانعكصحب وصاحب ((إِنَّ فِي ذَلِكُمْ))، أي فيما تقدّم من الخلقة ((لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) بالحقائق ويتجنّبون السخافة. سورة الأنعام 100 إنّ الله هو خالق كل شيء وهو الإله الوحيد الذي لا شريك له ((وَ)) لكن الكفار ((جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ)) فقالوا بأنّ لله شركاء في الإلوهيّة هم من الجن ((وَ)) الحال أنه سبحانه هو الذي ((خَلَقَهُمْ))، أي خَلَقَ الجن، فكيف يكون المخلوق شريكاً مع الخالق في الإلوهيّة ((وَخَرَقُواْ))، أي جعلوا، ولا يخفى ما في التعبير بلفظ (خَرَقوا) من اللطافة ((لَهُ)) تعالى ((بَنِينَ وَبَنَاتٍ)) فقد قال اليهود عزير إبن الله، وقالوا: نحن أبناء الله، وقالت النصارى: المسيح إبن الله، وجعل المشركين الملائكة بنات الله كما قال سبحانه (وجَعَلوا الملائكة الذين هم عِباد الرحمن إناثاً) ((بِغَيْرِ عِلْمٍ)) فإنّ ذلك منهم كان ظنّاً ووهماً ((سُبْحَانَهُ)) منصوب بفعل محذوف، أي أنزّهه تنزيهاً له ((وَتَعَالَى))، أي تقدّس وترفّع ((عَمَّا يَصِفُونَ))، أي الأوصاف التي يلصقونها بساحة قدسه، من جعل الشريك والأولاد. سورة الأنعام 101 إنه وحده هو ((بَدِيعُ))، أي مبدع ((السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)) وخالقهما بلا شريك أو ظهير، وهذا ردّ على مَن جَعَلَ له شريكاً ((أَنَّى))، أي كيف ((يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَ)) الحال أنه تعالى ((لَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ))، أي زوجة، وهذا رد لمن جَعَلَ له أولاداً ((وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ)) فهو الخالق المطلق ((وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) فهو العالم المطلق.
|
![]() |
![]() |
![]() |
#3 |
|
![]()
سورة الأنعام 102 ((ذَلِكُمُ))، أي ذلك المذكور له الصفات المتقدّمة هو ((اللّهُ)) تعالى و(كُم) للخطاب إلى السامعين ((رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ)) فلا شريك له ((خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)) فلا شيء خارج من خلقه حتى يكون له شريكاً ((فَاعْبُدُوهُ)) وحده ((وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ))، أي حفيظ ومدبّر وقائم فلا حافظ غيره ولا قائم بالأمر أحد سواه. سورة الأنعام 103 ((لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ)) فإنه سبحانه ليس بجسم حتى يكون مرئياً، وهذا لا فرق فيه بين الدنيا والآخرة، فهو لا يُبصر في الدنيا ولا يُبصر في الآخرة ((وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ)) روعي في الكلام التجانس اللفظي وإلا فهو يدرك كل شيء الأبصار وغيرها ((وَهُوَ اللَّطِيفُ)) لا يُراد به اللُطف بالمعنى في الأجسام، المراد به النافذ في الأجسام والرقيق وما أشبه، بل من باب: خُذ الغايات واترك المبادئ، فعلمه نافذ في الأشياء وقدرته سارية في الأكوان ((الْخَبِيرُ)) العالم بكل شيء. سورة الأنعام 104 ((قَدْ جَاءكُم)) أيها البشر ((بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ)) بصائر، جمع بصيرة وهي الدلالة البيّنة التي يبصر بها الشيء، أي جائتكم دلالات من قِبَل الله سبحانه على الأصول والأحكام ((فَمَنْ أَبْصَرَ))، أي من تبيّن هذه الدلالات ونَظَرَ فيها نظر معتبر بصير ((فَلِنَفْسِهِ)) فإنه يعود خير ذلك إلى ذاته وشخصه ((وَمَنْ عَمِيَ)) عنها فلم ينظر فيها وأعرض عنها ((فَعَلَيْهَا))، أي إنّ وبال الإعراض يعود على ضرره ((وَمَا أَنَاْ)) المراد بالضمير الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((عَلَيْكُم)) أيها الناس ((بِحَفِيظٍ)) أحفظكم عن الخطأ والإنحراف، وإنما أنا مبلّغ مرشد مَن آمن فلنفسه ومَن ضلّ فعلى نفسه. سورة الأنعام 105 ((وَكَذَلِكَ))، أي مثل تصريفنا الآيات من ذي قبل ((نُصَرِّفُ)) هذه ((الآيَاتِ)) نرسلها ونبيّنها ((وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ))، أي يقول الكفار دَرَستَ هذه الآيات وتعلّمتَها من غيرك، كما كان ينسبون القرآن إلى تعلّمه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الراهب في طريق الشام، أو من سلمان، أو من بعض اليهود ((وَلِنُبَيِّنَهُ))، أي نوضّح ما تقدّم من الآيات ((لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ))، أي للعلماء الذين يعلمون الآيات، فإنّ هؤلاء هم المنتفعون بالآيات ولذا خصّهم بالذِكر. سورة الأنعام 106 ((اتَّبِعْ)) يارسول الله ((مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ)) وهو ((لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ)) وذَر الأصنام والأوثان، فإنّ صاحب الدعوة لا يبالي بما قاله المغرضون، ولا يضرّه إنحراف المنحرفين ((وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)) فلا تتعرّض لهم، وليس المراد عدم دعائهم إلى الإسلام، أو عدم القتال معهم، بل معناه: أعرِض عن أقوالهم وطريقتهم، وهذا كما يُقال: أعرِض عن فلان، يُراد عدم الإهتمام بقوله والإعتناء بشأنه وإنه لابد من سلوك الطريق المستقيم أبى أم كره. سورة الأنعام 107 ((وَلَوْ شَاء اللّهُ)) أن يكرههم على عدم الشرك ((مَا أَشْرَكُواْ)) ولكن الدنيا دنيا إختبار وامتحان، فإنما يريهم الله سبحانه الطريق فمن شاء آمن ومَن شاء أشرك ((وَمَا جَعَلْنَاكَ)) يارسول الله ((عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)) تحفظهم عن الشرك حتى يكون إثم الشرك عليك ((وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ))، أي لستَ بموكل عليهم في ذلك، وإنما عليك البلاغ والإنذار، ولعلّ الفرق بين الحفيظ والوكيل أنّ الحفيظ هو الذي يحفظ الشيء من الضرر، والوكيل هو الذي يُناط به أمره فيجب عليه دفع الضرر عنه وجلب النفع إليه، فهو أعم من الحفيظ. سورة الأنعام 108 ((وَلاَ تَسُبُّواْ)) أيها المسلمون الآلهة ((الَّذِينَ يَدْعُونَـ))ـها الكفار ((مِن دُونِ اللّهِ))، أي سوى الله ((فَيَسُبُّواْ اللّهَ)) مقابلة بالمِثِل ((عَدْوًا))، أي ظلماً بمعنى التعدّي عن الحق ((بِغَيْرِ عِلْمٍ)) فإنهم جاهلون بالله وإلا لما كانوا يسبّونه ويتّخذون آلهة سواه ((كَذَلِكَ)) الإعتقاد بالآلهة الباطلة ((زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ)) فإنّ كل إنسان يرى عمله حَسَناً -وإن كان لو تفكّر وقارَنَ رأى الصحيح من عمله وأباطيله-، ونسبة التزيين إلى الله سبحانه لأنه هو الذي يخلق الخلق وسبّب الأسباب وذلك للإمتحان، وليتبيّن مَن يخالق نفسه ومَن يتّبع هواها ((ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ)) فإنّ الجميع يرجعون إلى حساب الله سبحانه وثوابه وعقابه ((فَيُنَبِّئُهُم))، أي يُخبرهم ((بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) من الأعمال الحَسَنة والقبيحة، ومعنى ذلك أنه يجازيهم بأعمالهم كما تقول لإبنك العاصي: أُخبر: بما عمِلتَ؟، تريد التهديد والوعيد.وهنا سؤال: أنه كيف نهى الله عن سبّ الأصنام، وفي القرآن كثير قد فيهم؟، والجواب: إنّ الفرق بين سبّ الحكيم وسبّ الجاهل، وأنّ الأول يعرف موقع السب بخلاف الثاني، كما لو نهى القاضي عن ضرب الناس ورأينا أنه ضرب بنفسه حدّ أو قصاص فإنّ الأمرين لا يتنافيان. سورة الأنعام 109 ((وَأَقْسَمُواْ))، أي حَلَفَ الكفار ((بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ))، أي إيمانهم المغلظة ((لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ))، أي معجزة خارقة حسب ما طلبوا من مقترحاتهم (( لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا))، أي بتلك الآية ((قُلْ)) يارسول الله لهم ((إِنَّمَا الآيَاتُ)) الخارقة ((عِندَ اللّهِ)) ومن لدنه وليس لديّ منها شيء، فإن عَرَفَ الصلاح في الإتيان بها أظهرها وإن عَرَفَ الصلاح في عدم الإتيان لم يأتِ بها ((وَمَا يُشْعِرُكُمْ)) أيها المؤمنون ((أَنَّهَا))، أي الآيات ((إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ)) كما جائت الآيات من قبل فلم يؤمنوا، والسر أنّ المعانِد لا تفيده الآية، والطالب للحق تكفيه ما تقدّم من الآيات فإنزال الآيات المقترحة لا فائدة فيها. سورة الأنعام 110 ((وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ)) جمع فؤاد وهو القلب ((وَأَبْصَارَهُمْ)) جمع بصر وهو العين ((كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ))، أي بالقرآن ((أَوَّلَ مَرَّةٍ)) فإنهم جوزوا بإنكارهم أول مرة الذي إستلزم عنادهم وتماديهم في غيّهم بأن أزعجت نفوسهم فجَعَلَت قلوبهم تخفق وأبصارهم تتحرّك زائغة كما هو شأن كل مُبطِل أما الحق أنه لا يدري ما يصنع وعينه تلتفت هنا وهناك مستوحية عن الأرض والسماء طريق المهرب والخلاص عن الأزمة التي وقع فيها ((وَنَذَرُهُمْ))، أي ندعهم ((فِي طُغْيَانِهِمْ)) الذين طغوا وتعدّوا الحق ((يَعْمَهُونَ)) يتردّدون في الحيرة، وقد روي أنهم لما طلبوا الآيات أراد النبي أن يسأل ربه تلك فجاء جبرئيل وقال: "إن شئتَ أصبح الصفا ذهباً ولكن إن لم يصدّقوا عُذّبوا وإن شئتَ تركتهم حتى يتوب تائبهم"، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): "بل يتوب تائبهم" فأنزل الله تعالى هذه الآية.
|
![]() |
![]() |
![]() |
#4 |
|
![]()
سورة الأنعام 111 ثم بيّن سبحانه أنّ هؤلاء معاندون لا يريدون بالآيات إلا الإقتراح ولو أُنزلت إليهم لم يكونوا يؤمنون ((وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ)) حتى يرونهم مشاهدة ويشهدون لك بالرسالة ((وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى))، أي أحيينا الأموات حتى تكلّمهم ((وَحَشَرْنَا))، أي جمعنا ((عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً))، اي مقابلاً ومعاينة بأن جئنا لهم بما طلبوا من الآيات، أو المراد جمعنا حواليهم الأياء الكونية بأن تأتيهم الشجر والحجر والماء والحيوان، وكان ذلك لبيان حشر صورة مدهشة مرعبة ((مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ)) لعنادهم وإصرارهم ((إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ)) أن يجبرهم على الإيمان، ولكنّ الله لا يشاء ذلك لأنه خلاف الحكمة ((وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ)) أنهم لو أُتوا بكل آية لم يؤمنوا، بل يزعمون أنهم يؤمنون أنّ رؤوا الآيات لجهلهم بعنادهم الكامن في نفوسهم الذي لا ينفع معه كل آية. سورة الأنعام 112 ((وَكَذَلِكَ))، أي كما جعلنا لك يارسول الله أعداء معاندين ((جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا)) ومعنى الجعل التخلية بينهم وبين إختيار العداوة، وذلك إختبار لهم وترفيعاً لدرجات الأنبياء، وقد سبقت الإشارة إلى أنّ الأمور الإختيارية للناس تُنسب إلى الله سبحانه باعتبار جعله الأسباب والتخلية بين الناس وبينها، كما تنسب إلى فاعليها لأنهم السبب المريد لها ((شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ)) نصب شياطين لأنه بدل (عدوّاً) المراد به الجنس لا الواحد، والمراد بشياطين الإنس أما الشياطين الموكّلة بالإنسان التي تغويه وتأمره بالقبائح، وأما مِن قبيل خاتم فضة، أي المَرَدة من أفراد الإنسان، فإنّ الشيطان بمعنى المارد من شَطَنَ، قال الشاعر: أيا شاطن عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأغلال وهكذا يُقال بالنسبة إلى شياطين الجن ((يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ))، أي يوسوس خُفية ((زُخْرُفَ الْقَوْلِ))، أي القول المزخرف الذي يستحسن ظاهره ولا حقيقة له ولا أصل ((غُرُورًا))، أي لأجل الغرور والإضلال ((وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ))، أي لو أراد جَبَرَهم على عدم هذه الأعمال العدوانية ضد الأنبياء لتمكّن من ذلك، لكنه لا يشاء لأنه خلاف الحكمة ((فَذَرْهُمْ))، أي دعهم ((وَمَا يَفْتَرُونَ))، أي إفترائهم، فأعرِض عنهم ولا تتعرّض له، بل خُذ طريقك وبلّغ رسالات ربك. سورة الأنعام 113 إنّ الشياطين يوحي بعضهم إلى بعض زُخرف القول لأجل الغرور ((وَلِتَصْغَى))، أي لأجل أن تميل ((إِلَيْهِ))، أي إلى هذا الوحي بزخرف القول ((أَفْئِدَةُ))، أي قلوب ((الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ)) فإنهم يوسوسون يُغروا الناس وليجلبوا أفئدة الكفار إلى مكائدهم ((وَلِيَرْضَوْهُ))، أي يرضى من لا يؤمن بالآخرة، الوحي والوسوسة، بمعنى إرضاء الكفار عن منهجهم فلا يميلوا إلى الحق ((وَلِيَقْتَرِفُواْ))، أي يرتكبوا من الكفر والمعاصي ((مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ))، أي الشيء الذي يرتكبون، وجملة المعنى أنّ وسوسة الشياطين لأجل أن يُغروا الناس ويستميلوا قلوبهم ويرضون عن طريقتهم ويرتكبون الآثام. سورة الأنعام 114 إنّ هناك شخصين متعاديين: الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذي لا يؤمن بالآخرة، فمن الحَكَم بينهما؟، وهنا يأتي الجواب أنّ الحَكَم هو الله وحده، قُل يارسول الله لهؤلاء ((أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا))، أي أطلب سوى الله حاكماً ((وَهُوَ)) أعلم الحكّام فقد ((الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً)) فيه ما يحتاج إليه الإنسان يفصّل بين الحق والباطل، ومعنى التفصيل تبيين المعاني بما يوجب رفع الإشتباه، ومن المعلوم أنّ القادر على تنزيل مثل هذا الكتاب هو الذي يتّخذ حَكَماً ((وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ))، أي أعطيناهم ((الْكِتَابَ)) من اليهود والنصارى ((يَعْلَمُونَ أَنَّهُ))، أي الكتاب وهو القرآن ((مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ)) وليس كلام الآدميّين، وتخصيص أهل الكتاب بذلك لأنّ علمهم يقتضي أن يعرفوا ذلك، فإنه إنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه ((فَلاَ تَكُونَنَّ)) يارسول الله ((مِنَ الْمُمْتَرِينَ))، أي الشاكّين، ومن المعلوم أنّ النبي لا يشكّ وأنما المراد به السامع، وإن كان توجيه الخطاب إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم). سورة الأنعام 115 ((وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ)) بالقرآن الكريم، فما أراده الله سبحانه من البشر تمّت بإنزال هذا الكتاب فليس ورائه كتاب آخر، وكلمة أخرى ((صِدْقًا وَعَدْلاً)) فما فيه من الأخبار صدق لا يشوبه كذب، وعدل لا يشوبه إنحراف وزَيغ، فكل خبر يخالف إخباره -عن المبدء.. عن المعاد.. عن الرسالة.. عن العدل.. عن الخلافة.. عن غيرها- فهو كذب، وكل حَكَم يخالف حُكمه فهو زَيغ وباطل ((لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ)) فإنّ كلمات الله سبحانه هي الميزان لكل شيء فلا أحد يبدّل كلماته تعالى بالزيادة والنقصان تبديلاً صحيحاً، ومَن بدّل فهو المنحرف الضال ((وَهُوَ السَّمِيعُ)) لأقوال الناس ((الْعَلِيمُ)) بكل ما يفعلون فيجازيهم حسب أعمالهم وأقوالهم. سورة الأنعام 116 إنّ الميزان هو كلمات الله سبحانه التي نزلت عليك يارسول الله، فليس هناك حق في ما عدا ذلك ((وَ)) لذا ((إِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ)) لأنّ غالب الناس كفار أو ضلّال فاتّباعهم موجب للكفر والضلال، نعم هناك قلة لم يخلفهم زمان، هم الآخذين بأحكام الله تعالى، فإطاعتهم هي إطاعة الله ولا يوجب إتّباعهم ضلالاً وزيغاً ((إِن يَتَّبِعُونَ))، أي ما يتّبع هؤلاء الكثرة من الناس ((إِلاَّ الظَّنَّ)) فليس لهم حجّة وبرهان في كفرهم وضلالهم وإنما يرجّحون ظنّاً ما يعتقدونه أو يعملون به ((وَإِنْ هُمْ))، أي ما هم ((إِلاَّ يَخْرُصُون)) الخرص هو التخمين، أي يقولون تخميناً لا إعتقاداً وبتّاً. سورة الأنعام 117 ((إِنَّ رَبَّكَ)) يارسول الله ((هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ))، أي أعلم من سائر الناس بمن يسلك سبيل الضلال، فما يقوله بقوله (إن يتّبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) صادر عن علم ومعرفة، فإذا قال قائل: إنّ الكفار يعتقدون إتقاداً جازماً بما أشركوا، ويقولون ما يقولن عن بتّ ودقّة، فذلك غير عارف بأحوالهم، وربك أعلم منه بهم ((وَهُوَ)) سبحانه ((أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) الذين يسلكون سبيل الهدى والرشاد.
|
![]() |
![]() |
![]() |
#5 |
|
![]()
سورة الأنعام 118 إذاً فالحكم كله لله صغيراً كان أو كبيراً، وقد كان الضالّون يجادلون المسلمين في شؤون كثيرة ومنها أمر الذبائح، فقد كانوا يأكلون الميتة ويتركون المذبوح، وكانوا يحتجّون على المسلمين قائلين: أتأكلون أنتم ما قتلتم ولا تأكلون ما قَتَلَ ربكم؟ يريدون الإعتراض في عدم أكل المسلمين للميتة ((فَكُلُواْ)) أيها المسلمون ((مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ)) عند الذبح واجتمع فيه سائر الشرائط، والأمر للإباحة لأنه في مقام توهّم الحضر ((إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ)) بأن آمنتم بالله ورسوله وصدّقتم بما جاء به الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم). سورة الأنعام 119 ((وَمَا لَكُمْ)) أيها المسلمون ((أَلاَّ تَأْكُلُواْ))، أي أيّ شيء لكم في أن لا تأكلوا ((مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ))، أي لِمَ لا تأكلونه -هل إنّ ذلك بزعم التحريم بسبب أنكم تقتلونه؟- ((وَقَدْ فَصَّلَ)) الله سبحانه ((لَكُم)) على لسان رسوله ((مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)) وليست الذبيحة منها ((إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)) فإنكم إذا إضطررتم إلى ما حرّم جازَ لكم أكله بقدر الضرورة ((وَإِنَّ كَثِيرًا)) من الناس ((لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم)) فإلى حيث مالَ هواهم ساقوا الناس إليه، ذلك سيبّب إضلال الناس ((بِغَيْرِ عِلْمٍ)) يهديهم إلى الحق، وإنّ تحريم المشركين للمذكّى من هذا القبيل، فإنه من الهوى لا من علم وصلاح ((إِنَّ رَبَّكَ)) يارسول الله ((هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ)) الذين يتجاوزون الحق ويعتدون الحق إلى الباطل. سورة الأنعام 120 وفي عداد ذِكر الحرام والحلال ينهي سبحانه عن كل محرّم ((وَذَرُواْ)) أيها السملمون ((ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ))، أي ما ظَهَرَ من المعاصي وما بَطَن مما يؤتي به سراً، قيل إنّ الجاهلين لم يكن به بأس، وبهذه المناسبة نَزَلَ هذا التعميم ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ))، أي يعملون بالمعاصي ((سَيُجْزَوْنَ))، أي يُعاقَبون ((بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ))، أي يرتكبون، يُقال: إقترف الإثم، أي إرتكبه. سورة الأنعام 121 ((وَلاَ تَأْكُلُواْ)) أيها المسلمون ((مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ)) من الذبائح التي تُذبح بدون التسمية ((وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ))، أي إنّ كل ذلك فسق، وخروج عن طاعة الله تعالى ((وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ))، أي يلقون خفية في قلوبهم ((إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ))، أي الذين إتّبعوهم من الكفار ((لِيُجَادِلُوكُمْ)) قائلين: كيف تأكلون أيها المسلمون مما تقتلونه أنتم ولا تأكلون مما قتله الله، وقتيل الله أولى بالأكل من قتيلكم ((وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ)) في أكل الميتة ((إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)) لأنّ إستحلال الميتة يوجب الكفر، أو المراد أنكم مثلهم، لا مثل المؤمنين، وهذا تعبير خطابي، ولعلّ هذا أقرب لأنّ الإستحلال يوجب الكفر لا الشرك. سورة الأنعام 122 ثم ذَكَرَ سبحانه مثل الفريقين: المؤمنين والكفار ((أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا)) بالكفر ((فَأَحْيَيْنَاهُ)) بالإيمان، فإنّ الكفر شبه بالموت حيث أنّ الكافر لا يأتي منه العمل الصالح، والإيمان شبيه بالحياة لذلك ((وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا)) منهاجاً ينير به دروب الحياة ((يَمْشِي بِهِ))، أي بذلك النور ((فِي النَّاسِ)) فيعرف كيف يمشي وكيف يعاشر، لا كالأعمى الذي يصطدم بهذا وذاك ((كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ))، أي كالكافر الذي مَثَله الشخص الذي لا نور له بل يمشي في الظلمات فمن في الظلمة شُبّه بالكافر، لأنّ ظلمة الكفر أشدّ من ظلمة عدم النور، فإنّ الكافر لا يعرف سبيل الحياة السليمة ولذا فهو دائم المشاكل والإصطدامات ((لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا)) إذ الخروج من الظلمة لا يكون إلا بانتهاج منهاج الإيمان، وإلا فمن ظلمة إلى ظلمة، وهذا سر ما شاهد من إزدياد مشاكل العالم يوماً بعد يوم، وكلما عدلوا القوانين وبدّلوا المناهج لم يزدهم إلا مشكلة وإعضالاً والإستفهام إنكاري، يُراد أنه ليسا بمتساويين بل الحي ذو النور أفضل من الميت في الظلمة ((كَذَلِكَ))، أي كما زيّن للمؤمن الإيمان كذلك ((زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) والذي زيّن لهم هو الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء، أو هو الله سبحانه بالمعنى المتقدّم في قوله (كذلك زيّنا لكلّ أمة عملهم)، أي خلّينا بهم وبين ما يزيّن عملهم. سورة الأنعام 123 ((وَكَذَلِكَ))، أي كما تركنا الكفار في ظلمتهم يعمهون، أو كما زيّن لهم أعمالهم كذلك ((جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا)) فتركنا المجرمين على حالهم ((لِيَمْكُرُواْ فِيهَا))، أي في القرية، واللام للعاقبة، أي إنّ عاقبة تركنا إياهم مكرهم في القرية كقوله تعالى (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحَزَنا)، أو المراد كما جعلنا ذا النور من المؤمنين كذلك جعلنا ذا الظلمة من المجرمين ((وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ)) فإنّ عاقبة مكرهم ووبال طغيانهم لا يرجع إلا إلى أنفسهم ((وَمَا يَشْعُرُونَ))، أي لا يدرون أنّ مكرهم يعود بالوبال السيّء إلى أنفسهم. سورة الأنعام 124 ((وَإِذَا جَاءتْهُمْ))، أي جائت هؤلاء المجرمي ((آيَةٌ)) دلالة من الله على التوحيد والرسالة ((قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ)) بهذه الآية وبما جائت من أجله ((حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ))، أي تأتي على أيدينا المعجزة، ويوحى إلينا حتى نكون كالرُسُل، قالوا: نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة حيث قال للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): والله لو كانت النبوّة حقاً لكنتُ أولى بها منك لأني أكبر منك سنّاً وأكثر منك مالاً، وقيل: نزلت في أبي جهل حيث قال: زاحَمنا بني عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرس رهان قالوا منّا نبي يوحى إليه والله لا نؤمن به ولا نتّبعه أبداً إلا يأتينا وحي كما ياتيه ((اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)) فإنه سبحانه أعلم من جميع الخلق بموضع الرسالة، وليست هي بالمال والكبر والسن، بل بالفضائل النفسية والقابلية المحلية ((سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ))، أي عملوا الجرائم والموبقات ((صَغَارٌ عِندَ اللّهِ))، أي يكونوا أذلّاء في الآخرة، أو المراد الأعم من الدنيا والآخرة، ومعنى (عند الله) أنّ ذلك الصَغار من عنده سبحانه ((وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ))، أي بسبب مكرهم، فإنّ الصَغار والعذاب جزاء لأعمالهم القبيحة.
|
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الأنعام , تفسير , صورة |
|
|
![]() |
![]() |