|
منبر شهيد ألله السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس) المواضيع الخاصة بسماحة السيد الشهيد محمد الصدر قدس الله نفسه الزكية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
01-08-2024, 05:01 PM | #1 |
|
يا ليتنا كنا معكم .. من كتاب أضواء على ثورة الحسين (ع) للسيد الشهيد محمد الصدر قدس سره
يا ليتنا كنا معكم هناك عبارة يكررها خطباء المنبر الحسيني حتى اصحبت متعارفة وتقليدية وهي قولهم: يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً(1). والخطاب - بصيغة الحال - للحسين عليه السلام واصحابه. وأود الآن بمناسبة حديثي عن هؤلاء العظماء ان اتعرض إلى معنى هذه العبارة، فان في ذلك عبرة أولاً، وموعظة ثانياً، وتربية للخطباء ثالثاً، لعلهم يأخذون ما سوف اقول بنظر الاعتبار. واللفظ الذي هو الاهم والاشد تركيزاً في هذه الجملة هو (معكم) فإن المعيّة قد تكون مكانية وقد تكون زمانية وقد تكون معنوية. فإن المتكلم بهذه الجملة مرة يتمنى ان يكون مع شهداء كربلاء في الزمان والمكان المعينين اللذين كانوا فيهما، وآخرى يتمنى ان يكون معهم معنوياً. والاداة (ليت) للتمني والمشهور في علوم العربية ان التمني لا يكون الا للمستحيل. ويوردون كشاهد على ذلك قول الشاعر: الا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيبُ(2) . وسنناقش ذلك بعد قليل ونعود إلى الحديث عن (المعيّة): اما تمني الفرد للكون معهم في نفس الزمان والمكان الذي كانوا فيه، فيراد به عادة تمني الحصول على الشهادة معهم لكي يفوز فوزاً عظيماً. وهو امر جليل ولطيف في حد نفسه الا انه قابل للمناقشة من اكثر من جهة: الجهة الأولى: ان تمني العود إلى الماضي من تمني المستحيل طبيعياً، وتمني المستحيل مستحيل. أو قل: انه لا يتصوره ولا يقتنع به الا من خولط في عقله. وليس من تمني الاسوياء ما كان مستحيلاً. الجهة الثانية: ان مجرد وجود الفرد هناك في الماضي - لو تم له - لا يعني كونه يفوز بالشهادة او يفوز فوزاً عظيماً. بعد ان نأخذ بنظر الاعتبار هذه النفوس الضعيفة الامارة بالسوء، المعتادة على الترف والضيق من مصاعب الحياة. ومن الواضح ان حركة الحسين عليه السلام كلها مصاعب وبلاء وضيق من الناحية الظاهرية او الدنيوية. ومن هنا لا يكون من المؤكد ان الفرد اذا كان موجوداً في ذلك الزمان والمكان ان يكون نصاراً للحسين عليه السلام. بل لعله يكون مع الجيش المعادي تحت امرة عبيد الله بن زياد، لأجل الحصول على المال او الشهرة او دفع الشر والتهديد، تماماً كما مال اهل الكوفة إليه بعد اعطائهم الولاء للحسين عليه السلام ومسلم بن عقيل عليه السلام، ومن اجل شيء من الطمع والخوف. واذا كان الفرد احسن نفساً و اكثر ثقافة، فلا اقل من ان ينهزم من المعسكر، فلا يكون مع معادي الحسين، كما لا يكون مع الحسين نفسه، تماماً كما ورد عن ابي هريرة انه قال: (الصلاة خلف عليّ اتم، وطعام معاوية ادسم، والوقوف على التل اسلم)(3). واذا لم يكن مع الحسين عليه السلام فسوف يحصل: أولاً: انه لن ينال الشهادة ولن يفوز فوزاً عظيماً. وثانياً: أنه سينال اللعنة الابدية طبقاً لقوله عليه السلام: (من سمع واعيتنا ولم ينصرنا اكبّه الله على منخريه في النار)(4). وعلى اي حال فمن اين يأتي التأكيد على ان الفرد اذا كان في ذلك الزمان وذلك المكان مع الحسين عليه السلام، لفاز فوزاً عظيماً، بل لعله يخسر خسراناً مبيناً، كما المعنا قبل قليل، لأن مجرد المصاحبة في المكان لا يعني اكثر من ذلك. وقد يستدل على ان المطلوب من اي فرد محب للحسين عليه السلام يحسن به ان يتمنى ذلك، فيستدل عليه بالشعر المنسوب إلى الحسين عليه السلام: شيعتي، ما ان شربتم عذب ماء فاذكروني أو سمعتم بقتيل او جريح فاندبوني فأنا السبط الذي مـن دون جرم قتلوني ليتكم في يوم عاشو را جميعاً تنظروني (5) فقد تمنى الحسين (عليه السلام) ان يكون معه شيعته، يوم عاشوراء. وهو المطلوب. وجواب ذلك من عدّة وجوه، منها: الوجه الأول: ان هذا الشعر ليس للحسين (عليه السلام) قطعاً، بل هو مما قيل على لسانه قطعاً. واول دليل على ذلك ان يذكر فيه مقتله وما حدث بعد مقتله، وهو ما لا يمكن ان يكون من قوله سلام الله عليه. وفي ما سمعناه ما يشير إلى ذلك، مضافاً إلى قوله: وبجرد الخيل بعد القتل ظلماً سحقوني إلى غير ذلك . اذن فهذا الشعر انما قاله الشاعر بعد ان سمع قول الخطباء (يا ليتنا كنا معكم) فأحبَّ ان يكون هذا التمني صادراً عن الحسين (عليه السلام) أيضاً. اذن فلا يكون لهذا الشعر قيمة اثبات تاريخية اكثر من هذه الجملة التي يكررها الخطباء . الوجه الثاني : ان مثل هذا التمني لو كان صادراً عن الحسين (عليه السلام)، او محبيه فإنما يراد به تمني الاجتماع معنوياً، كما سوف نذكر لا مادياً، او تمني الاجتماع مادياً ومعنوياً حتى يتم الامر. والا فمن الواضح - كما اسلفنا - ان الاجتماع المادي في الزمان والمكان وحده لا يكفي. واما المعية المعنوية، وهي الاتحاد في الهدف والمحبة والايمان. فقد يستشكل فيه من حيث ان (ليت ) انما تأتي للتمني المستحيل على ما هو المشهور كما اسلفنا. ومن الواضح ان المعية المعنوية ليست مستحيلة، بل بابها مفتوح لكل والج وواسع بسعة رحمة الله سبحانه، ينال منها كل فرد حسب استحقاقه. فمن هنا ناسب ان تستعمل (ليت) للمستحيل وهو الكون المادي معهم لا المعنوي . وجواب ذلك: ان اختصاص التمني بالمستحيل غير صحيح تماما وان ذهب إليه المشهور، وذلك لعدة وجوه، منها: أولاً: ما اشرنا إليه فيما سبق من ان تمني المستحيل مستحيل. الا من المجانين ومن خولطوا في عقولهم. أو انه يتحدث حديثاً مجازياً بعيداً عن الواقع تماماً كبيت الشعر الذي استشهدوا به (الا ليت الشباب يعود يوماً). ثانياً: ان التمني واضرابه من موارد ما يسمى في علوم البلاغة بالانشاء، كالاستفهام والترجي، وهي حالات نفسية وجدانية محسوسة في النفس تختلف في معانيها ومداليلها. فالترجي المدلول عليه بالاداة (لعل) انما يعني مجرد الاحتمال كقولنا: لعل فلاثاً عاد من سفره أو لعلي أسافر غداً. واما التمني فهو: ارادة حصول شيء في المستقبل والرغبة فيه كقولنا: ليتني اسافر غداً. أي احب ذلك وارغب به، ولا ربط له بمجرد الاحتمال. فالتمني والترجي امران مختلفان تماماً، كما لا ربط له بالامور المستحيلة، بل يستحيل ان يتعلق التمني بالمستحيل. ثالثاً: ان في القرآن الكريم موارد استعملت فيه الاداة (ليت) فيما هو ممكن وليس بمستحيل. وظاهر القرآن حجة على كل من يناقش في ذلك، كقوله تعالى: (يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً)(6). مع العلم ان الموت في اي وقت ممكن بقدرة الله سبحانه. وقوله تعالى: (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا)(7). يعني ميت قد زالت معالم قبره، وهو امر ممكن على اي حال. بل حتى ما يبدو مستحيلاً من الاستعمالات كقوله تعالى: (يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين)(8). وقوله تعالى: (يا ليتنا نُرد ولا نكذب بآيات ربنا)(9). ونحوها، انما تكون مستحيلة باعتبار النظام الالهي للخلق، لا باعتبار قدرة الله على انجاز ما يتمنونه، الا انه لا ينجزه لانهم لا يستحقون ذلك. ومحل الشاهد من كل ذلك: ان التمني للممكن امر ممكن. فإذا عرفنا ان (المعية) المعنوية مع اصحاب الحسين عليه السلام امر ممكن في اي مكان وزمان، لأنها تعبر عن المعية القلبية والفكرية، وهي المعّية الاهم والألزم. فاذا كانت ممكنة كان تمنيها ممكناً. ويمكن ان يقصدها الفرد حين يقول: يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً. والحق ان المعية المعنوية توجب الفوز العظيم بلا اشكال. ولكن يحسن ان نلتفت إلى ان هذا التعبير وارد في القرآن عن قول فرد فاسق أو متدني الايمان وقليل اليقين، لأنه سبحانه يقول: (وانّ منكم لمن ليبطئن فإن اصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله عليّ اذ لم أكن معهم شهيداً. ولئن اصابكم فضل من الله ليقولن كان لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيما)(10) اذن فتكرار هذا المضمون من قبل الفرد لا يكاد يكون معقولاً وانه سيعتبر نفسه متدني الايمان أو قليل اليقين. وهذا لا يكون الا مع الغفلة عن المضمون الحقيقي للعبارة كما هو الاغلب، او لأجل كسر النفس والوقيعة فيها، كما هو شأن الزهاد والسالكين. كما ينبغي ان نلتفت إلى امر اهم حول الآية الكريمة هو: انه سبحانه يقول: (ولئن اصابكم فضل من الله ليقولنّ ... الخ) (11). وهذا يعني بالنسبة إلى الأفراد الاعتياديين - بغض النظر عن المعاني التي اسلفناها - امرين: الأمر الأول: ان الحسين (عليه السلام) اصابه فضل من الله بالشهادة، والفرد يتمنى ان ينال من هذا الفضل. وقد سبق ان قلنا: ان هذا الفضل من دواعي الاستبشار لا من دواعي البكاء. مع العلم انهم يجعلونه مقدمة للبكاء كما هو المعهود اكيداً. ومعه فلا يكون وضعه في هذا الموضع مناسباً. الأمر الثاني: ان الفضل الذي ناله الحسين عليه السلام واصحابه من الله سبحانه ليس مجانياً ولا يمكن ان يكون كذلك. ولذا ورد: (لك مقامات لن تنالها الا بالشهادة)(12). فقد دفع الحسين عليه السلام تحمله لانواع البلاء الدنيوي بما فيه نفسه ونفوس اهل بيته واصحابه، فداءً لذلك الفضل العظيم. فهل سيكون الفرد على استعداد حقاً في المشاركة مع الحسين عليه السلام في بلائه، كما هو على استعداد ان يشاركه في جزائه، ام يتمنى الفرد ان يحصل على ثواب الحسين(عليه السلام) مجاناً مع ان الحسين (عليه السلام) نفسه وهو المعصوم لم يحصل عليه الا بالثمن الغالي. ان هذا من سخف القول حقاً!! كما يحسن بنا ان نتساءل في هذا الصدد: اننا لماذا نتمنى ان نكون مع الحسين خاصة لنفوز فوزاً عظيماً. مع ان الآية الكريمة مطلقة من هذه الناحية، بل هي خاصة بالرسول (صلى الله عليه واله). والكون معه ايضاً فوز عظيم بلا اشكال، فهل نتمنى ذلك او نتمنى الكون مع امير المؤمنين او احد الائمة المعصومين. وان لنا اماماً حياً مسؤولاً عنا فعلاً ونحن مسؤولون عنه ايضاً. فهل نتمنى ان نكون معه، وليت شعري فان الكون مع امامنا الحي ليس سهلاً على الاطلاق، بل هو امتحان عسير وبلاء كبير ويحتاج إلى ايمان عظيم وتسليم جسيم. يكفينا ما ورد: (ما هذا الذي تمدون إليه اعينك وهل هو الا لبس الخشن واكل الجشب))(13). وفي خبر آخر: (وهل هو الا السيف والموت تحت ظل السيف))(14). فإنه سلام الله عليه يطبق الاسلام كما انزله رسول الله (صلى الله عليه واله). ولن يكون ذلك في مصلحة اهل الدنيا ومتبعي الشهوات والمعتادين على اللذات. بل سيكون هذا العدل المطلق اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ونفسياً وعقلياً ودنيوياً وأخروياً. وهذا لا محالة يكون على الفرد الاعتيادي كما قلنا امتحاناً عسيراً وبلاءً كبيراً. اذن فالتمني مع امامنا الحي ليس سهلاً باي معنى قصدناه. ولكن - مع ذلك - فقد يحسن الخطباء صنعاً حين يخصون الحسين عليه السلام بالذكر، لامرين أو اكثر: الأمر الأول: ان الحديث في المجلس عنه والمآتم المنعقد له عليه السلام. الأمر الثاني: ان الحديث في المجلس وان لم يكن عنه سلام الله عليه، بل عن غيره من المعصومين (عليهم السلام) الا انه لا بدّ من ذكره خلال الحديث وإلا لم تطمئن النفس ولم يهدأ الخاطر ولم يتم الاستحباب الشرعي الكامل. الأمر الثالث: ان شفاعة الحسين عليه السلام اوسع من غيره من المعصومين عليهم السلام جميعاً. كما ورد: ان عدداً من المعصومين لا يصل اليهم الا الخاصة كعلي عليه السلام والرضا عليه السلام والمهدي عليه السلام في حين يصل إلى الحسين عليه السلام الخاصة والعامة. فهو يشفع للجميع وزياراتهم لديه مقبولة، وشفاعته واسعة يوم القيامة(15). الا اننا مع ذلك ينبغي ان نتوخى ان نضم إلى هذا الامر الشعور على مستويين: المستوى الاول: ان شفاعة الحسين عليه السلام لن تكون عامة بالمعنى الكامل، بل بشرطها وشروطها، كما ورد في الخبر، تماماً كما قال الامام الرضا عليه السلام في حديث سلسلة الذهب: (لا اله الا الله حصني ومن دخل حصني امن من عذابي. ثم قال: بشرطها وشروطها وانا من شروطها)(16). المستوى الثاني: ان لا نفهم من سعة شفاعة الحسين عليه السلام سعتها دنيوياً، بل سعتها أخروياً. ولكن وجد العديد ممن يقول: ان سفرة الحسين (عليه السلام) اوسع، ويريد به الأرباح المادية المجلوبة بسبب ذكره سلام الله عليه اكثر من الارباح المجلوبة بسبب ذكر غيره. وهذا وان كان صحيحاً عملياً وداخلا ضمن النعم الالهية على الحسين ومحبي الحسين عليه السلام، إلا ان المطلوب اخلاقياً هو عدم النظر إلى حطام الدنيا مهما كان مهمّا، وقصر النظر على ثواب الآخرة. ومن الواضح اخلاقياً ودينياً ان من قصد الدنيا وحدها او من قصد الدنيا والآخرة معا، فليس له الثواب في الآخرة اطلاقاً، وانما يأخذ الثواب من خصّ قصده في الآخرة تماماً. وهذا لا يعني عدم جواز الاجرة على ذكره عليه السلام، وخاصة ممن كان عمله ذلك ورزقه متوقفاً عليه. وانما يعني ان يسقط هذا عن نظر الاعتبار في نيته، ويجعله بمنزلة الرزق صدفة او تفضلاً من الله عز وجل، وليس بأزاء مأتم الحسين عليه السلام، بأي حال من الأحوال. الهوامش (1)البحار للمجلسي ج44 ص286 – امالي الصدوق ص112. (وهي من رواية للامام الرضا (ع) يقول فيها لابن شبيب: اسرّك ان يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين (ع) فقل متى ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً). (2) ديوان ابي العتاهية ص32. (3) هذا القول من ابي هريرة عبّر عن مواقفه في حرب صفين. وقد ذكره محمود ابو ريّة في كتاب شيخ المضيرة ابو هريرة ص56 نقلاً عن (شذرات الذهب في اخبار من ذهب لابن عماد الحنبلي ج1 ص64). (4) الخوارزمي ج1 ص227 - البحار للمجلسي ج44 ص315 - امالي الصدوق ص123. (5) اسرار الشهادة للدربندي ص398 – واشار إليها جعفر التستري في خصائصه ذاكراً البيت الأول فقط. (6) سورة مريم، آية 23. (7) سورة النبأ، آية 40. (8) سورة الزخرف، آية 38. (9) سورة الأنعام، آية 27. (10) سورة النساء، آية (72 – 73). (11) سورة النساء، اية 73. (12) آمالي الصدوق مجلس 30 ص135 – البحار للمجلسي ج44 ص328 – الخوارزمي ج2 ص187- اسرار الشهادة للدربندي ص191 . (13) الكافي للكليني ج8 ص133 – بتصرف واقتضاب (14) امالي الصدوق ص517 (ط) (15) البحار للمجلسي ج44 ص221 (16) عيون اخبار الرضا للصدوق ج2 ص134
|
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|