السيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره ... ضرورة تأريخية

سنوات مظلمة وليال لا يسفر الصبح فيها الا عن يوم غاب فيه الامل ، فقد مُنع الناس وبشتى الوسائل من اقامة شعائر الله وخصوصا فيما يتعلق بأمامنا ابي عبد الله الحسين عليه السلام فلم تراع ِ حكومة البعث الكافر ورئيسها الطاغية الهدّام عليه لعائن الله اي حق من حقوق الانسان فالسجون غصّت بالأبرياء واستخدمت فيها اقسى اساليب التعذيب واصبحت الاعدامات بالجملة وما المقابر الجماعية الا شاهدة على ذلك بل وصل الحال انه من وجد في بيته كتاب مفاتيح الجنان ( 1 ) فضلا عن غيره من الكتب الدينية فسوف يحاسب حساباً عسيراً وبأبشع الطرق كونه قد ارتكب خلة يحاسب عليها القانون فالوعي الديني بات مغيباً وابتعد الناس شيئاً فشيئاً عن تعاليم السماء وباتت الكثير من المحرمات عادات اجتماعية لا يتناهى عنها بل يُنتقد من لم يقم بها فلم يبقَ من الاسلام – ان صح التعبير – الا اسمه وما ذاك الا لغياب الموجه إما خوفاً او قتلاً من جهة وصعوبة الحصول على الكتاب نتيجة المنع من جهة ثانية والخوف الناتج من القمع الوحشي من جهة ثالثة وغيرها من الاسباب
ففي ظل تلك الظروف القاسية التي عاشها الشعب العراقي في عهد اللانظام ، كان الشعب بحاجة الى تجربة عملية تنقله من واقعه المرير الى واقع آخر يستعيد فيه أنفاسه ويتشافى من الأمراض التي ألمت به جراء التسلط والاستبداد ولا يمكن ذلك إلا من خلال شخصٍ قادر على تشخيص الخللِ ومعالجته ، شخص قد شارك الشعب آلامه وعاش معاناته فكانت تجربة السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر ( قدس سره ) التي أعادت الى الأذهان تلك العدالة المحمدية العلوية فهي عدالة لكن ليست على مفهوم السياسة و المحاصصة وتوزيع الثروات وإنما هي عدالة الأب المربي الذي يريده لنا الإسلام والذي تمثل بمحمد الصدر قدس سره فكان نِعمَ المطبق ، كان بحق طبيب دوّار بطبه أبى أن يكون جليس داره ويعطي دواءه لمن يطرق بابه وإنما نزل الى الشارع العراقي ليداوي الناس ولكن كلٌ بحسبه فهو طبيب ولكن ليس كباقي الأطباء ، طبيب يعالج العقول والقلوب فما زالت نداءاته توقظ العقول وتخفق لها القلوب عندما خاطب الجموع العراقية التي عشقته وأحبته ، أحبت فيه حبه للاستقلالية وحبه للعراق ،( ... اعتبروا يا أولوا الأبصار الى متى أنتم غفلة الى متى أشعر حبيبي ... ) نعم الى متى أنتم غفلة عما يراد بكم ، الى متى أنتم غفلة عن مخططات الثالوث المشؤوم فمحمد الصدر أوقد في قلب كل عراقي مشعلاً لن يطفأ حتى يعيش العراق بمجتمعٍ عادلٍ متحضر ينعم بخيراته .
فلولا وجود سماحة السيد الشهيد محمد الصدر قدس لما كنا ننعم ببركة وجود راعي الاصلاح الزعيم العراقي السيد القائد مقتدى الصدر اعزه الله لا لكونه والده فقط بل لامر بينه سماحته في سؤال وجه له في كتاب العشق الابدي حيث يقول : ( ... كلنا فيض وجوده ، فلولاه ما جئنا الغري ولا هذه العمامة نرتدي ، وكلنا من فيض علمه وأخلاقه نهتدي ، وكلنا من فيض حوزته وبه نقتدي ، فلا زال بيننا فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ، فبأنفاسه وبركاته وبركة آبائه وأجداده المعصومين لا زلنا ننعم.) ( 2 )
فمن ذلك كله يمكن القول ان تجربة السيد محمد الصدر قدس كانت ضرورة تاريخية كما اشار اليها الباحث والمفكر الاستاذ علي الزيدي في احدى حوارياته القيمة حيث قال : ( ... وُلد السيد الشهيد محمد الصدر قدس نفسه الزكية ليكون هو المحرك والمُربي الاساس الذي يأخذ بالجموع الاسلامية ويوصلها الى الإمام المهدي , يعني هو العتبة الاساسية , إن لم يوجد محمد الصدر في تلك الفترة , لننتبه على هذه العبارة , إن كان محمد الصدر لم يُوجَد في تلك الفترة ونريد أن نلتحق بالإمام فلا بُد أن ننتظر لأن يُوجَد شخص اسمه محمد الصدر , لأن يُوجِد هذه المرحلة , من أجل الوصول الى أي شيء ؟ الى الإمام المهدي , فكانت تجربة وجود محمد الصدر قدس سره الشريف , وجود حركي , استطيع أن أقول عنه هي تجربة مصغرة في كيفية الالتحاق بالإمام المهدي ... ) ( 3 )
فشكراً لك سيدي يا محمد الصدر من الأعماق
شكراً لك وقد أعطيت لنا دروساً في الأخلاق
شكراً لك وقد فتحت أمام عقولنا وقلوبنا الآفاق ،
شكراً لك ننطقها والقلب يعتصر بألم الفراق
الهوامش والمصادر
( 1 ) هو كتاب ادعية ومناجاة وزيارات لمراقد الاولياء من الانبياء والائمة الاطهار عليهم السلام والصالحين
( 2 ) كتاب العشق الابدي في سيرة والدي . جواب على سؤال 246:ـ هل السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره لا زال يهدي الأمة التي أرسل إليها أو انقطع عنها بيوم استشهاده ؟
( 2 ) مقتطف من حوارية قيمة للباحث والمفكر الاستاذ علي الزيدي في براني السيد الشهيد محمد الصدر قدس

احسنت وجزاك الله خيرا