هل صامت جوارحك عن النزوات

*.جَوَارِحك: كلمة أصلها (جَوَارِحٌ(اسم))، في صورة جمع تكسير وجذرها (جرح) وجذعها (جوارح) وتحليلها (جوارح + ك)، وجَوَارِحُ الإِنْسَانِ: أَعْضَاؤُهُ، والجارحة: العضو العامل من أَعضاء الجسد، كاليد والرجل، وجَرَحَه الشيءَ: كَسَبَه...
قال تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي يَتَوفَّاكُمْ باللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ))(سورة الأنعام: آية 60) .
أما عدد الجوارح فقد ورد، عن الإمام السجاد عليه السلام: " إعلمْ أنَّ لله عز وجل عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة تحركتها أو سكنه سكنتها، أو حال حلتها أو منزلة نزلتها أو جارحة قلبتها أو آلة تصرفت فيها. فأكبر حقوق الله تعالى عليك ما أوجب عليك لنفسه من حقه الذي هو أصل الحقوق، ثم ما أوجب الله عز وجل عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك، على اختلاف جوارحك، فجعل عز وجل للسانك عليك حقا، ولسمعك عليك حقا، ولبصرك عليك حقا، وليدك عليك حقا، ولرجلك عليك حقا، ولبطنك عليك حقا، ولفرجك عليك حقا ، فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال".
*.النَزْوَات: كلمة أصلها (نَزْوَةٌ(اسم))، في صورة جمع مؤنث سالم وجذرها (نزو) وجذعها (نزوة) وتحليلها (نزو + ات)، والنزوات، تعني بمعنى من المعاني: النزع والميل والتقلب والانقياد والاستسلام والوثب والشوق والطمع والولع والاندفاع والهوًى المفاجئ الشديد لشيء ما...، فنَزْوَةُ الشَّبَابِ: تَهَوُّرُهُ، وتَقَلُّبَاتُهُ...
لقد تم التطرق في المقالات السابقة الى جوارح العين واللسان والاذن، ولذا سوف يتم الاقتصار في هذا المقال وبإيجاز على جارحتي اليد والرجل:
1.اليد: اليد، هبة الهية يمكن ان يستخدمها الانسان في أبواب الخير والصلاح، ويمكن ان يستخدمها في أبواب الشر والفساد...
قال الامام السجاد زين العابدين(عليه السلام): " وأما حق يدك، فأن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك بما تبسطها إليه من العقوبة في الآجل، ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل، ولا تقبضها مما افترض الله عليها، ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحل لها، وتبسطها إلى كثير مما ليس عليها، فإذا هي قد عقلت وشرفت في العاجل، ووجب لها حسن الثواب من الله في الآجل".
ا. فمن أبواب الخير التي يتكأ فيها الانسان على يده : العمل لكسب الرزق، والجهاد في سبيل الله بكل انواعه، والصدقة وخدمة الناس وباقي المخلوقات، وكتابة وتوثيق ونشر وتبيان وشرح المعارف والعلوم الصحيحة النافعة...، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء، فيرجح عليهم مداد العلماء على دم الشهداء".
وقال تعالى: ((وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ))(سورة ص: الآية 45).
ب. ومن أبواب الشر التي يتكأ فيها الانسان على يده فينحرف وتكون سببا في دخوله ساحة العصاة المذنبين هي:
ـ السرقة، وهنا من النافع الالتفات الى مضمون هذه الرواية المروية عن الإمام الصادق عليه السلام: "السراق ثلاثة: مانع الزكاة، ومستحل مهور النساء، وكذلك من استدان ولم ينوِ قضاءه"، فهي تبين بعض انواع السرقة التي يغفل عنها بعض الناس.
ـ الاعتداء على الغير، فعن نبينا الاكرم(صلى الله عليه وآله): "... ألا ومن لطم خد امرى مسلم أو وجهه بدد الله عظامه يوم القيامة، وحشر مغلولا حتى يدخل جهنم إلا أن يتوب".
ـ اللمس المحرم: أي لمس الأجنبية بالمصافحة أو غيرها، فقد ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "من صافح امرأة تحرم عليه، فباء بسخط من الله"، من هنا يمكن ان نقترب من معنى زنى الجوارح‏، ‏مثلاً زنى اليد وهو اللمس المحرم.
2.الرجل: هبة الهية يمكن ان يستخدمها الانسان في أبواب الخير والصلاح، أو أبواب الشر والفساد...، قال الامام السجاد(عليه السلام): " وَأَمَّا حَقُّ رِجْلَيْكَ فَأَنْ لا تَمْشِي بهِمَا إلَى مَا لا يَحِلُّ لَكَ وَلا تَجْعَلْهُمَا مَطِيَّتَكَ فِي الطَّرِيقِ الْمُسْتَخِفَّةِ بأَهْلِهَا فِيهَا فَإنَّهَا حَامِلَتاكَ وَسَالِكتانَ بكَ مَسْلَكَ الدِّينِ وَالسَّبْقُ لَكَ، وَلا قُوَّةَ إلا بالله".
ا. فمن أبواب الخير التي يتكأ فيها الانسان على رجله : المشي بهما إلى مواطن الرزق، والجهاد في سبيل الله بكل انواعه ، وخدمة الناس والمشي من أجل قضاء حوائجهم، والمشي الى دور العلم والعبادة وزيارة الاخوان، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "من مشى مع أخيه المسلم في حاجته كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة".
وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "ضمنت لستة الجنة: رجل خرج بصدقة فمات فله الجنة، ورجل يخرج يعود مريضا فمات فله الجنة ورجل خرج مجاهدا في سبيل الله فمات فله الجنة، ورجل خرج حاجا فمات فله الجنة ورجل خرج إلى الجمعة فمات فله الجنة ورجل خرج في جنازة فمات فله الجنة".
ب. ومن أبواب الشر التي يتكأ فيها الانسان على رجليه والدخول بهما الى ساحة العصاة المذنبين هي:
ـ المشي في خدمة الظالمين، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: "من مشى مع ظالم فقد أجرم".
- المشي لأصحاب البدع: فقد جاء في الرواية عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: "من مشى إلى صاحب بدعة فوقره فقد مشى في هدم الإسلام".
وما دمنا في ايام وساعات وليالي شهر ضيافة الله جل جلاله ، فمن المهم التوجه اليه والتوسل به بشفاعة من تعبد في هذا الشهر الفضيل خالصا وجه ونيته وعمله لله ان يمكننا من ان نتحكم بجوارحنا لتصوم عن النزوات وان نكون من الذين : (( لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ))(سورة يونس: آية 2).

المصدر:
1.القرآن الكريم. معاجم اللغة. كنز العمال: 28715. السرائر: 119 / 2. رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام...
2. تغريدة للقائد السيد مقتدى الصدر(اعزه الله)(يا من صُمـتَ عـن المُـفـطـرات):3/4/2022

جزاك الله تعالى خيرا على الموضوع