![]() |
![]() |
![]() |
|
ألمنبر الإسلامي العام لجميع المواضيع الإسلامية العامة |
|
![]() |
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#1 |
|
![]()
(الأوّل) انّ الشهادة تعني وجود الاتّصاف بدرجة معينة من القدرة علي العطاء العلمي والمادي. فأمّا في المجال العلمي فانّ الإنسان بقدر ما يتمكّن من بذل عطائه العلمي يحظى بدرجة علمية أعلي. كالبكالوريوس والماجستير والدكتوراه في المصطلح الحديث والتي هي وثائق تعبّر عن بلوغ درجة علمية معينة ما. وأمّا في المجال المادي فانّ الإنسان عندما يسعي لبذل عطائه المادي فانّه كلّما بذل الأنفس وقدّم الأثمان والأغلى نال درجة أعلي من المنح الربانية فتارة يسمو البذل والعطاء لأعلي المقادير المادية المقرّبة للإنسان وهو بذل النفس وبدنه قرباناً خالصاً لوجه اللّه سبحانه وتعالي وتارة ينحدر إلي أدني من ذلك فتحقّق ببذل القدرة والاستطاعة التي هي دون الموت وهذا البذل ينقسم إلي قسمين: (القسم الأوّل) المرابطة لحفظ الحدود وثغور المسلمين والمساعدة خلف الجبهات لتقوية جند الإسلام كإيصال الطعام والمؤن والأعتدة الحربية والمشاركة في نقل الأسري وتضميد الجرحى. (القسم الثاني) جهاد المرأة في بيتها وطاعتها لزوجها لقول النبي صلي اللّه عليه وآلة {جهاد المرأة حسن التبعّلْ} ويشمل ذلك اعداد الأبناء اعداداً صلباً وقوياً على التقوى والإيمان والمثل والقيم والمبادئ الحميدة ودفع الأبناء للتضحية في سبيل اللّه واعلاء لواء الحقّ وكلمة التوحيد. وتارة ينحدر إلى اتجاه آخر وهو بذل الكلمة لإعلاء الدين واسكات السنّة الباطل والنفاق والضلال. وتارة أخري ينحدر البذل إلى أدني من ذلك فيتحقّق بمعشوق الدنيا وهو المال. وذكرناه في الأخير لأنّ ما تقدّمه يمثل أسلحة المبدأ والعقيدة وهي فوق الماديات وأقوي منها أثراً وأمضي فاعلية ولهؤلاء جميعاً ثواب عظيم إلاّ انّ أكمله وأوفاه وأعظمه هو النموذج الأوّل وهو الذي أعطي أعزّ وأثمن ما لديه وأنفسه. (المعني الثاني للشهادة) انّ الشهادة تعني الشهود والظهور بمكان يبعث على الرؤيا والأبصار التام وطبيعي ألا يكون الشيء خليقاً الأنظار وسحر الأنظار وسحر الأعيان إلاّ إذا اتّصف بحالة متميزة وبريق خلاّب يستقطب الألباب ويأخذ بمجامع القلوب ولما كانت الشهادة من المعاني الروحية الصرفة التي تسمو في وجودها ومظهرها على الماديات ومقاييسها وحساباتها لذا فانّ مقاييس الجذب فيها من الأمور المعنوية السامية والقيم العالية والمبادئ الكبرى. اذن فالشهادة هي الموقف المبرز لعظمة نهاية تضحية الإنسان تلك التضحية التي تعبر عن ملاك الجذب والاستقطاب والتي يتسبّب عنها إزهاق وفصل أعزّ وأهمّ وأعظم عنصر حياتي وهو الروح عن الجسد الإنساني. وبعد أن عرفنا ذلك ننتقل إلي الشهيد، وهو صاحب هذه التضحية وصاحب هذا الموقف العظيم والإيثار والبذل والفداء والعطاء. نعم هو ذلك الإنسان الذي بذل نفسه دون ذاته دون منفعة شخصية تعود إليه أو قضية فردية تخصه هو شخصياً بالذات أو بالعرض. ولما كان هذا الموقف موقف ينتهي فيه الموجود الحر الذي تسيطر فيه إرادة الإنسان وتعمل عملها في مقدراته وثرواته وتحكمها فيها تبعاً لانبعاثاتها وموقف تنتهي فيه قوانين العالم التخييري بكل ما يمتاز به نواميس ويفد فيه إلى عالم القدرة الإلهية المطلقة والعظمة الربانية الشاملة حيث المثول أمامها فرداً وحيداً بلا أعوان أو أنداد يدفعون عنه ما يصير إليه من العذاب وأهوال الحساب لا يملك نفعاً ولا ضرّاً ولباعثا ولنشورا ولأموتا والحياة. أكد الإسلام علي هذا الموقف أشدّ التأكيد لأنّه يمثّل أخطر مرحلة مصيرية للإنسان ولأنّه دين يرعي مصالح الإنسان في وجوده وابتدائه وانتهائه ويرشده إلي أسلم الطرق وأقومها وأحسنها إلى سعادته الدائمة وهناءته السرمدية. قال سبحانه وتعالي: ْ {فضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً}. ْ {انفروا خفافاً وثقالاًً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل اللّه ذلك خير لكم ان كنتم تعلمون}. ْ {ولئن قتلتم في سبيل اللّه أو متّم لمغفرة من اللّه ورحمة خير ممّا يجمعون}. الشهادة سمة الكاملين ليست الشهادة من المسائل الاعتيادية التي يمكن أن يعيش كلّ إنسان أجواءها ويتنسّم صعداءها يتلذّذ بعبيقها ويسرح ويمرح في ساحتها وباحتها لأنّها تعبير حيّ وعميق وجذري يحكي حالة استثنائية للإنسان ودرجة عالية ورتبة رفيعة سامية قلّما تمكن من نيلها والحظوة بها من جاهد نفسه بالرياضات الروحية والمجاهدات النفسية فهي براءة من مطامع النفس الدنية ووسوستها ورغباتها وشهواتها وخلوص من لذائذ الدنيا الفانية الخداعة الغرور وانقطاع عن إرادة المخلوقين إلي إرادة الخالق الحق تعالي وذوبان في عشق مطلق بين الحدود والمطلق وانمحاق للأنانية الفردية والأماني الشخصية وانسلاخ عن الصورة الحيوانية في طبيعتها وسلوكها وعروج إلي عالم ملائكي لا يعرف فيه غير التنزيه والتقديس والتسبيح والعبادة والطاعة والاذعان التام الكامل. وبقدر ما يتمكن الإنسان من تحقيق هذه الجوانب وتطبيع ارتكازها في ذاته نجده يفارق نظراءه في التكوين ويسمو عنهم في اتجاه السماء حيث الارتباط الحقيقي بين العلّة والمعلول وسفر المخلوق من العالم السفلي إلى العالم العلوي حيث الجمال والجلال والكمال. ذلك انّ الإنسان رهين عمله وأسير لسانه وقرين سلوكه متي انتهج سبل الرشاد ومفاوز السداد فاز بالنعيم السرمدي والخلود الأبدي، ومتي تنكب عنها يلتمس طرائق الغواية والفساد صار إلى الخسران المبين من أسفل السافلين في دركات الجحيم. الشهادة ارتباط مطلق باللّه عزول قال عزول: ْ {انّ الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النّار بما كانوا يكسبون} [يونس: 7 ـ 8. ] حبّ الدنيا رأس كل خطيئة لأنّه تعبير عن عشق الصور الخدّاعة والأشكال المزخرفة المصطنعة والسراب الزائف وحبّ الآخرة وما أعدّ اللّه عزول فيها من نعيم موجب للزهد في متاع هذه الدنيا الدنية مهماً عظم، والزهد في لذّاتها المادية وان بلغت ما بلغت لتناهي صغرها وتفاهتها أمام لذّات الآخرة وعظمتها وقيمتها وحجمها وموجب لتحفيز قوي الإدارات في البدن الإنساني وأعمال الجوارح في سبيل ارتكاب ما يوجب استحقاق الدخول إلي الجنّة التي تعد موطن تلك النعم اللامتناهية من أعمال الخير والصلاح والبر، وقد جعل اللّه تعالي أفضل السبل والطرق لارتقاء أعلي مناصب الخير والحظوة بأكبر نصيب من الخلود الأبدي والنعيم الأزلي عن طريق الشهادة. قال النبي صلي اللّه عليه وآلة لسبطه الحسين عليه السلام: }انّ لك منزلة عند اللّه لاتنالها إلاّ بالشهادةْ} [البحار، ج10 ص129. ] وفي ليلة العاشرة من المحرّم هازل برير عبدالرحمان الأنصاري فقال له عبدالرحمان ما هذه ساعة باطل، فقال برير لقد علم قومي ما أحببت الباطل كهلاً ولا شابّاً، ولكنّي مستبشر بما نحن لاقون واللّه ما بيننا وبين الحور العين إلاّ أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ولوددت انّهم مالوا علينا الساعة[تاريخ الطبري، ج6 ص241. ] وفي مشهد آخر من مشاهد ما قبل واقعة الطفّ المفجعة خرج حبيب بن مظاهر الأسدي يضحك. فقال له يزيد بن الحصين ما هذه ساعة ضحك، قال حبيب: وأيّ موضع أحقّ بالسرور من هذا الاّ أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فنعانق الحور[رجال الكشي باب الحاء. ] وهذا التعطّش والشرق لما أعدّ اللّه لهم في الآخرة من نعيم لايقدح في عظمة نصرتهم وسمو مبدئهم وفضلهم وشرفهم ورفيع رتبتهم لأنّه إدراك الكبرياء النعيم الأخروي والجزاء الإلهي الذي لايعد له جزاء وذوبان مطلق في طاعة ولي الأمر - الإمام الحسين عليه السلام - الذي طاعته طاعة اللّه تبارك وتعالي. حتّي بلغ بأبي الأحرار وأبي الضيم إلي التعبير عنهم بقوله: فانّي لاأعلم أصحاباً أولي ولاخيراً من أصحابي ولاأهل بيت أبر ولاأوصل من أهل بيتي فجزاكم اللّه عنّي جميعاً. متي تكون الشهادة خيراً من الظفر والنصر؟ وجود الإنسان في الدنيا يبتني علي مصلحة وحكمة عالية وهي تحقيق موجود طبيعي مذعن بوجوه الطاعات وإنماط التقديس وصور العبودية والإرتباط الحق والصادق باللّه تعالي كما جاء في الحديث القدسي: }لقد كنت كنزاً مخفياً فخلقت الخلق لكي أعرفْ} . وقوله تعالي في القرآن الكريم: ْ{ وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون}. وفي ذلك ايماءاً إلي انّ الهدف الذي خلق من أجله الإنسان يستدعي البقاء لاالفناء وان اعترته صور الابادة وطرأت عليه من قبيل عروض الموت وتلاشي أجزاء البدن المادي الاّ انّ المصير الحتمي في النهاية هو العودة إلي الحالة الأولي وهي الصورة المادية والهيئة الطبيعية المؤلفة من البدن والأعضاء والجوارح. والإنسان بحكم وجوده في الحياة وطبقاً لحكمة التكليف يمارس صراع عنيف بين جانبيه المتضادّين السلبي والإيجابي الشري والخيري وجانب الخير في المقاييس الإلهية راجح بإعتبار الأهمية والأثر. قال تعالي: }جاء الحقّ وزهق الباطل انّ الباطل كان زهوقاًْ} . ودور الإنسان} الصالحْ} في عملية ذلك الصراع والمكتسبات التي يحقّقها من تحقيق النصر والغلبة والظفر الظاهري بالعدوّ وسلاحه ودياره وما يمت له بصلة أمر مطلوب مرغوب الاّ انّ آثاره قد تكون محدودة وقصيرة الأمد يطوي التاريخ صفحته بعد مضي مدّة ويبقي ذكري وأثراً يفقد مقومات العطاء والإيقاظ البعث والاثراء لجيل المستقبل بما يحتوي عليه من أفراد وطاقات وإمكانات. ولكن ذلك الدور إذا سجّل انتصارا جوهرياً معاكساً لمقاييس النصر الظاهري والحسابات العسكرية المتداولة في طبيعة حسم الصراعات والحروب الطاحنة بين بني البشر انقلب شعلة يستضيء بنورها كلّ من سمع بها وعرف فلسفتها لأنّها خرجت عن المحدود والظاهر وانطلقت في الأعماق تغذي جذور كلّ ثورة وتخلق من أصولها القواعد والخنادق والأسس والمبادئ والعقيدة والتضحية والفداء تلهم الثّوار الكفاح وتعلم الصبر والاباء والرفض لشتّي مظاهر الظلم والاستعباد والاستضعاف وتخرّج من مدرستها المثل والمبادئ السامية والقلوب الصافية الواعية والكوادر المجاهدة المعشقة لخوض المعارك دفاعاً عن الإسلام ورايته والمتفانية في إطاعة أولياء اللّه تعالي والانضواء تحت لوائهم. والحسين بن علي عليه السلام هو رائد هذا الدور وملهمه ومبلّغه ومنقّذه إذ ضرب أروع درس وأعظم حكمة وأبلغ عبرة وعظة. من أجل إنقاذ الضمائر الميتة والمريضة ولمتزلزله والمنحرفة لافي جند العدوّ فقط بل في كافة الأمصار والأقطار الإسلامية آنذاك وليس ذلك فحسب بل في كافة الأجيال التي تلت أيام استشهاده عليه السلام علي إمتداد العصور إلي قيام الساعة ففدي بنفسه وعياله أعزّ ما يملك وخطّ بدمه الطاهر الزكي النقي. أكبر ملحمة ثورية إصلاحية في تاريخ البشرية علي إختلاف العصور والآباد والدهور وسجل أعظم شهادة أكسبته منفرداً وسام سيادة الشهداء بعد أن كان حمزة بن عبدالمطلب عليه السلام هو صاحب هذا اللّقب هذه الشهادة التي أتت أكلها كل حين باذن ربّها يحفظ الشريعة المحمدية من الأفول وتقوية أصولها وتثبيت أركانها وتدعيم بنيانها وإعادتها إلي سيرتها الأولي ونصابها الأكمل خاليه من كل شوائب البدع والإنحراف والبعد عن مصدرها الأوّل وعنصرها الأصيل محمّد المصطفي صلي اللّه عليه وآله وسلّم.
التعديل الأخير تم بواسطة الاخوة ; 06-12-2013 الساعة 06:59 PM |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
للشهادة , معنى , معنيان , الشهادة , والشهيد |
|
|
![]() |
![]() |