شروط (السعي المشكور) .. تغريدة لسماحة القائد السيد مقتدى الصدر اعزه الله على حسابه الرسمي بتاريخ ١٠ / ١٢ / ٢٠٢٣

بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر مصطلح (السعي المشكور) في القرآن مرتين.
أولاً: في قوله تعالى: (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً).
وحسب المشهور بل وحسب الظاهر من الآيات المرافقة لهذه الآية، إن كل من كان (سعيه مشكوراً) في الدنيا فإن له في الآخرة جزاءً بدخوله الجنة ولباسه الحرير ولا يرى شمساً ولا زمهريراً وله قوارير من فضة وما إلى غير ذلك من الآيات المصاحبة لهذه الآية.
وهذه الآيات التي جاءت في مطلع سورة (الإنسان) وإن أريد بها الإنسان المطلق أي المعصوم على وجه العموم.. وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب على وجه الخصوص، إلا إن التجريد عن الخصوصية قد يكون ممكناً فيشمل مطلق الإنسان المؤمن والصالح ومن كان سعيه مشكوراً. ثانياً: قوله تعالى: (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً).
وهذه الآية وإن كان من الممكن دمجها مع الأولى، فيكون المعنى مطابقاً أو مشابهاً لها، إلا إن التفسير الخاص بها: إن من (أراد الآخرة) و(سعى للآخرة) و(هو مؤمن) فيكون سعيه مشكورًا في الدنيا، كالذي يقوم بعمل صالح فنقول له: (سعي مشكور) أو كالساعي بين الصفا والمروة في الحج فنقول له: (سعي مشكور وحج مبرور).
إلا إن في هذه الآية إلتفاتة مهمة، هي قوله تعالى: (وهو مؤمن)، ويستبعد أن يكون المراد به الإيمان بالآخرة أو السعي أو الإرادة، فلا يمكن لمن لا يؤمن بالإرادة أن يريد، ولا الذي لا يؤمن بالسعي أن يسعى، ولا بالذي لا يؤمن بالآخرة أن يسعى لها أو يريدها.. ففاقد الشيء لا يعطيه - إن جاز التعبير -.
لذا ينبغي أن يكون معنى الإيمان هنا في قوله تعالى: (وهو مؤمن) شرطاً ثالثاً في شروط السعي المشكور.
فالأول هو الإرادة فيخرج المجبر والمضطر وغير القاصد.
والشرط الثاني: السعي في قوله تعالى: (وسعى لها سعيها) أي العمل، العمل الصالح والطاعة، بمعنى أنه أرادها وعمل على ذلك ساعياً للوصول إليها.
فيخرج من كان مريدًا ولم يكن ساعيًا بالعمل الصالح أو من دون عمل أو بعمل غير موافق للشرع والشروط العامة كما في العقائد المنحرفة والأفكار السيئة والسلوك المنحرف.
والشرط الثالث: هو الإيمان، في قوله تعالى: (وهو مؤمن) ولم يقل وهو مسلم، إذن قد يراد به الإيمان الراسخ وهو درجة أعلى من الإسلام.
كما في قوله تعالى: (قَالَتِ الأَعْرابُ آمَنَا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتُكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). أو يراد بالإيمان هنا: الإيمان بالمذهب الحق وعدم نصب العداء لأهل البيت عليهم السلام.
فيخرج بهذا القيد كل من أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو ليس مؤمنًا إيمانًا راسخاً ولا بالعقيدة الحقة فسعيه لن يكون مشكوراً.
وأما معنى الآخرة في هذه الآية، فالمراد منها من لم يرد الدنيا ويسعى لها، بل يريد ثواب الآخرة.. أي لم تكن الدنيا غاية مطلبه ومراده بل يريد رضا الله تعالى أولاً وبالذات، ولن يعمل لله حباً بالدنيا أو لمطالب دنيوية.
فإنّ من عمل صالحًا لأجل الدنيا سينطبق عليه قوله تعالى: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ).
وعموماً فإن درجة إرادة المؤمن وسعيه لا محالة أعلى من درجة إرادة وسعي المسلم الذي لم يدخل الإيمان - بكل معانيه - في قلبه، والله أعلم.

مقتدى الصدر

احسنتم النشر