نَشَرَ سَماحَةُ القائِد السَّيّد مُقتَدَىٰ الصَّدر (أعَزّهُ اللّٰهُ) فِي حِسابِهِ الشَخصِيّ عَلىٰ مِنصَّةِ التواصُلِ الإجتماعِيّ "إكس" بتاريخ ٤ / ٢ / ٢٠٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صَلِّ عَلى مُحمّدٍ وآلهِ الطيّبينَ الطاهِرين
من الآيات القرآنية الأخلاقية عالية المستوى، هو قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَاءِ وَالضَّرَاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
فأما الإنفاق المندوب يجب أن لا يتخلله الرياء أو المِنة، كما قال تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنَّاً وَلَا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) وكذلك الآية أعلاه مدحت المنفقين في: (السرّاء) و (الضرّاء) لا الذين ينفقون أموالهم في (السرّاء) فقط ويحجمون عن الإنفاق في (الضرّاء).
مضافاً إلى أنّ الآية قيدت الإنفاق بـ: (في سبيل الله) لا في سبيل الشهرة والمِنة والإنتخابات وكسب التعاطف والرأي العام.
وكذلك، فإنّ صدقة السِرّ هي من تدفع البلاء ويتقبلها الله تعالى، كما قال عزّ مَن قائل: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) فقد قدّم الله تعالى السِرّ على العلانية وفي ذلك تفضيل لصدقة السرّ على صدقة العلن حسب الظاهر، لأن صدقة السرّ بعيدة عن طلب الدنيا وستكون خالصة لله تعالى.. كما كان خليفة رسول الله يفعل ذلك..
فسلام الله على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
وأما (كظم الغيظ) فهي صفة أخلاقية عالية المستوى لا يكاد يفقهها ولا يطبقها إلا أولياء الله سلام الله عليهم أجمعين.
وكان أشهرهم مولانا وسيّدنا الإمام موسى بن جعفر سلام الله عليه، فهو كاظمٌ للغيظ.
ويقول السيّد صاحب تفسير الميزان: السيد الطباطبائي (رحمه الله): والغيظ: هيجان الطبع للإنتقام بمشاهدة كثرة ما لا يرتضيه.
لذا فإنّ الإمام موسى بن جعفر عليه السلام.. كان ممن شاهدوا الكثير مما لا يرتضيه ولعل الذي شاهده قد صدر من أتباعه ومن أعدائه.
أما من أتباعه.. فلما شاهد من تراخٍ وابتعادِ بعضهم عن جادة أهل البيت.
وأما أعداؤه فلما شاهده منهم من أذىً وآثام.
إلا إن ما يجب أن لا نغفل عنه: إنّ كظم الغيظ لا يكون أمام المفاسد والمظالم.. بل لما يصدر من أذىً أو اعتداء البعض على شخصه فقط على الرغم من أنه سلام الله عليه لم يكُ شخصاً عادياً أو أنه يمثل نفسه فقط، بل كان ولياً وإماماً وخليفة وشخصية عامة.. وعلى الرغم من ذلك.. فإنه كان يكظم غيظه إذا ما أوذي، وإلا فإنّ كظم الغيظ أمام المفاسد والآثام سيكون محواً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وهذا لا يصدر من الإمام موسى بن جعفر أكيداً.. إلا إذا كان الأمر والنهي غير مؤثر في الطرف الآخر.
فهو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بأفعاله وأقواله حتى في سجنه، ولذا فقد اهتدى على يده بعض السجّانين لما شاهدوه منه من تقوى وورع وعبادة وأخلاق..
ولعل ذلك هو عين: (كونوا لنا دعاة صامتين) أي كونوا بأفعالكم لا أقوالكم دعاة للهدى والحق المبين.
بل وهو سلام الله عليه تحمّل السجن لسنواتٍ طوال قيل إنها تعدّت الثمانية عشر عاماً.. فكظم حتى دعاءه فلم يطلب إلا الخروج من السجن إلى الحرية الأخروية وهو الذي كظم غيظه عن أعدائه فلم يصدر منه إزاءهم إلا الأخلاق، وكظم غيظه عن أتباعه الذين تركوه في مطامير السجن إلى أن كان (موعد الجسر)، اللهمّ فلا تجعلنا من الغافلين. اللهمّ فاجعلنا ممن يتبع الحق ولا يحيد عنه واجعلنا من أتباع شهيد بغداد وسيّدها الإمام الكاظم الذي استشهد على يد فساد حكومة بني العباس ظلماً وعدواناً.
فالسلام على المصلح المظلوم المسجون سلاماً دائماً أبداً.

مقتدى الصدر

احسنتم النشر