نصائح عامة للخطباء بقلم السيّد القائد مقتدى الصدر 1432هج-1

بسمه تعالى
سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد مقتدى الصدر(دام عزه).
في ذكرى سيد الشهداء عاشوراء انتصار الكلمة على السيف والدم على الاستبداد يكون للكلمة الصادقة لرواد المنبر الحسيني خطباء ومنشدين دورٌ في إحياء هذه الشعيرة المقدسة، لكن يبقى في العين قذى وفي الحلق شجى من أن بعض المقالات والكلمات بحاجة إلى تقويم لكي تصل هذه الثورة إلى المستوى الذي ضحى من أجله سيد الشهداء فهنا كان لنا بعض الأسئلة التي نعرضها على سماحتكم راجين الإجابة جزاكم الله خيرا...

السؤال الأول: يتعرض بعض الخطباء إلى القضية السياسية بقوة ويشبعون المحاضرة بالسياسة علماً إن وقت عاشوراء قصير جداً فما هو رأي سماحتكم؟.

بسمه تعالى: عزل الواقع السياسي المرير خطأ أيضاً، إلا أن هذا لا يعني إننا نشبع الموضوع شرحاً وتفصيلاً حتى كأننا جالسون تحت قبة البرلمان أو على طاولة مجلس الوزراء، بل لمحات أو يعرّج الخطيب على بعض الأمور المهمة بما لا يمس الواقع الحسيني ولا يغمط حق القضية الحسينية أو وضع المعصومين عموماً أرواحنا لهم الفدى. فلذا على الخطيب أن يتذكر أنه ارتقى المنبر لأجل المعصومين لا لاجل أن يكون محللاً سياسياً أو ناطقاً رسمياً وما شابه ذلك، فكل ذلك قد يكون مخلاً بأدب الخطابة بل ومخلاً باحترام هذا الكرسي العظيم والمنصب الحسيني الجليل.

السؤال الثاني: يذكر البعض مواقف للحسين وأهل بيته تستلزم من ذكرها أما الكذب عليهم السلام أو الإذلال لهم فما حكم ذلك؟.

بسمه تعالى: مما لابد منه ولا محيص عنه هو التزام القارئ أو خطيب المنبر الحسيني بمجريات النقل الواقعي الصحيح عِبرَ التزامه بنقل ما هو مروي من الكتب الصحيحة والمنسوبة إلى مؤلفين نسبة صحيحة لا يشوبها شك ولا ريب.
ولو انه نقل ما لم يكن مروياً أو بلا سند ولا تدقيق فإنه في هذه الصورة قد يرتكب من الخطأ ما يوصله إلى الكذب على الله ورسوله، وهذا لا محالة مخالف للشرع والعقل ومما لا يرتضيه عاقل البتة. ولعل الكثير من الخطباء تعودنا منهم النقل بما يسمى بـــ(لسان الحال) وهو وإن لم يك محرماً إذا كان اللسان مطابقاً إلى الحال، إلا أن الوصول إلى معرفة حال المعصومين هو المتعذر على أغلب الخطباء بل جُلهم أكيداً، فلذا يجب تجنبه والتورع عنه حتى لا يقع الخطيب بالكذب وما شابه ذلك. مضافاً إلى ما ذكره السيد الوالد في كتابه: {أضواء على ثورة الإمام الحسين}، من أن جواز لسان الحال منحصر بنقل الأقوال فقط ولا يمكن أن يكون لسان الحال كاشفاً عن الأفعال التي لم يرد بها نقل أو رواية أو ما شابه ذلك، فاتقوا الله إن الله يحب المحسنين.
السؤال الثالث: يقوم بعض الخطباء بطلب الأجرة على القراءة ويمتنع البعض عن القراءة إن لم يأت له مبلغ ضخم حتى وإن استلزم ذلك الجلوس في بيته وعدم القراءة فما قولكم؟.

بسمه تعالى: ذلك حال بعضهم ولا يمكن إنكاره مع شديد الأسف، فمثل هؤلاء تناسوا الأجر والثواب الأخروي، وتمسكوا بالثوابات الدنيوية المالية، واغلب الظن إن من يقوم بمثل ذلك ويترك القراءة من أجل حفنة تراب - أعني مال - إنما هم الذين يريدون شهرة ويتركون فقراء الناس ومناطقهم لينتقلوا إلى أماكن الترف والبذخ والبيوت الفارهة وأصحاب المال وحسينياتهم ومعاقلهم ليقرأوا على مسامعهم بعض ما تتذوقه آذانهم وتطرب لهم نفوسهم من دون أي حكمة أو نصيحة أو إرشاد مفيد لهم في دنياهم وآخرتهم ليتنازلوا عن علياءهم ويتذكروا الفقراء بعد أن يتحلوا بالتواضع والزهد...وأنى لهم ذلك.

السؤال الرابع: الأحياء الفقيرة والمناطق النائية يقل نسبة القرّاء فيها لقلة مالها الذي يعطى للخطيب فما هي نصيحتكم للخطباء؟

بسمه تعالى: لذا فإن من الضروري الالتفات إلى ذلك، والعمل من الطبقة الفقيرة والمناطق المعدمة التي بحاجة إلى لقمة العيش والتي ترتع ببحبوحة الفقر، وكما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:{كاد الفقر أن يكون كفراً}، وقال صلوات الله عليه وعلى نبينا وآله: { لو كان الفقر رجلاً لقتلته}، إذن فأفضل ما يمكن أن يفعله الخطيب أن يذهب لإقامة المجالس الحسينية والإرشادية في الأماكن الفقيرة لقتل الفقر ولينقذ الفقراء من الكفر - لو جاز التعبير - .

السؤال الخامس: اليوم وللانشغالات الاجتماعية والمواقف لبعض الشخصيات الدينية نلاحظ انحسار بعض من شرائح المجتمع عن الحضور إلى المجالس الحسينية آخذين باللحاظ إن السياسي الفلاني أو رجل الدين الفلاني هو من يعكس صورة للتدين فنحن لا نحضر إلى مجالس العزاء؟.

بسمه تعالى: كلا فقد ورد بما معناه: من بكى وأبكى وتباكى كتبت له الجنّة، وكلا، فإن دعم القضية الحسينية واجب يقع عل عاتقنا وفي رقابنا، وإلا كنا ممن سمع واعية الإمام الحسين (عليه السلام) ولم ننصره - لا سمح الله -، ولعل أوضح آليات دعم القضية الحسينية هي إقامة الشعائر الحسينية وأولها حضور المجالس الحسينية التي تشتمل على ذكر أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين والتي تذكر المظالم التي وقعت عليهم، وكذا باقي الشعائر الحسينية كالتطبير الذي يغيض الأعداء وما إلى ذلك.
ويمكن القول إن الله سبحانه وتعالى شرّع الكثير من العبادات لأجل إرشاد الناس وتوعيتهم عن طريق الخطابة منها صلاة الجمعة وصلاة العيد، إلا أن هذه الشعائر الالهية لا يمكن أن تكون بديلاً عن المجالس الحسينية التي خصصها الله سبحانه وتعالى لذكر فضائل أهل البيت والحيف الذي وقع عليهم، وبطريق أولى لا يمكن أن تعوض بعض التصريحات الإعلامية أو البيانات السياسية عن مثل تلكم المجالس التي خُصصت لهم (سلام الله عليهم).

السؤال السادس: عدم حضور نخبة من الطبقات المثقفة معتبرين انفسهم اكثر ثقافة او ارفع من مستوى الخطيب او من الحضور الى مجلس الحسين فما نصيحتكم لهم؟.

بسمه تعالى: نعم هم ممن يعتبر نفسه فوق كل ذي علم ويعتبر نفسه افضل من كل الطبقات التي تحضر المجالس، ولو ان مجلسا في حضوره الشهرة والوجاهة والمال او حتى الطعام لحضره بعد بدءه بدقائق كثيرة او قبل انتهاء الخطيب بدقائق قليلة كما لا يخفى عليكم، الا ان هذا قبيح ومستهجن قد يدخل فيه الاثم ولو من باب التكبر وعدم اقامة الشعائر الدينية التي فيها طاعة لله عز وجل.

السؤال السابع: نخبة من المثقفين يرفضون الحضور لتكرار نفس الخطب سنويا من قبل الخطباء وعدم وجود الحداثة التي تتناسب وقيم الثورة العالمية فما تقولون؟.

بسمه تعالى: يحتاج الجواب على ذلك لعدة خطوات منها:
اولا: ان التكرار الذي يدعون ليس الخطأ في شيء على الاطلاق ،بل تكرارها معناه بقاء الذكر الى مدى طويل عبر مر الدهور والعصور والاجيال
ثانيا: ان التكرار الذي يقع من الخطباء هو مما يقومون به جزاهم الله خيرا من نقل الواقعة تاريخيا، فالوقائع التاريخية لا تختلف مهما مر الزمن ومهما اختلفت الظروف، الا ان المتغير هو التحليل والتدقيق واختلاف عقول الناس ومشاربهم وطبقاتهم ومشاكلهم ومتطلباتهم وما الى ذلك من امور تستدعي ان تكون الخطابة متجددة ومتغيرة حسب المصالح والمفاسد- ان جاز التعبير-.
ثالثا: ان هذا التكرار الذي يقع هو لتغير الاجيال، وتغير الحضور، فلعل سامع في هذه السنة لم يك موجودا فيما سبق، فكيف له ان يعرف ما هي الواقعة يا ترى.
رابعا: ان التكرار يكون لعوام الناس والطبقات المجتمعية العامة التي تحتاج الى مثل هذا التكرار لكي ترسخ القضية في عقولهم وليفهموها سنة بعد سنة.
خامساً: إن في ذلك التكرار فائدة جمّة، ألم تسمع ما يريد من قوله: في الإعادة الإفادة، وفي إعادة الوقائع التاريخية للذي يدقق ويعي ويسمع بأذن واعية الفائدة العظيمة، فلعلك تقرأ كتاباً لأكثر من مرة وفي كل مرة تفهم منه غير ما فهمت منه سابقاً، فما بال واقع المعصومين وحياتهم وسيرتهم وأخلاقهم وإرشاداتهم وفقههم وعلومهم ووو إلى ما شابه ذلك، مما هو بحر متلاطم لا أول له ولا آخر، وإذا أبحرت السفينة فيه تحت قيادة ربان ذي خبرة جيدة في أمواجها وخلجانها إلا أنه سيكون في حال نجاته من أفضلهم وأحسنهم خبرة وحنكة.
سادساً: إنك أيها المثقف إن لم تحضر لكي تفهم من التكرار غير ما فهمته من المرة السابقة فاحضر لدعم القضية الحسينية التي تقع على عاتقنا اجمعين ولا سيما المثقفون منا.
سابعاً: اذا كنت ايها المثقف قد مللت من التكرار فأين تجديدك للقضية الحسينية واين آلياتك واطروحات لفتح أبواب التجديد للخطباء وللمنابر الحسينية، فان ان لم تجدد فلا تعتبن على من لا يجدد، وان جددت فاخبر الخطباء به لعلهم يجددون!؟.

السؤال الثامن: من الاولويات المهمة ذكر مفردات الثورة فنلاحظ ان الخطباء يبتعدون عن مضمون واقوال الحسين ليذكروا اقوالا لشخصيات سياسية او اجتماعية او ما شاكل؟.

بسمه تعالى: السيد الوالد في كتاب اضواء على ثورة الامام الحسين ذكر الكثير من النصائح للخطباء، وما يفيدنا هنا في هذا السؤال هو ما ذكره من انه يجب على الخطيب ان يلتزم بالارشاد والنصيحة ولا يمكن ان لا يختل خطابته مثل هذه الامور والا كانت خالية وفارغة من المحتوى الحقيقي والمعنوي والتكاملي لتلكم الشعيرة المقدسة، وعلى رأس تلك النصائح واهمها واكثرها فائدة هو ما اسميته مفردات الثورة الحسينية واقوال الامام الحسين، فان في ذكر هذه الامور نتائج ايجابية عظمى كما لا يخفى.

السؤال التاسع: بعض الرواديد ابتعدوا عن الاطوار المعتادة الى اطوار فيها نوع من الموسيقى واطوار أهل الباطل؟.

بسمه تعالى: مع شديد الاسف، فان الكثير من رداتهم لا يمكن ان نصفها بالحسينية ، على اطوار غنائية وبأساليب فيها التشبه باهل الغناء والرقص في بعض الاحيان، الا ان ذلك قبيح وغير مرغوب. فان قيل: ان الاذواق قد تختلف باختلاف الاجيال، والذوق العام قد يميل الى مثل هذا التغير، وبالتالي يكون في التغيير وتطوير اليات المجالس الحسينية والردات الحسينية حسب التطور الحضاري كما يعبرون فيه كسب واستقطاب وهداية لبعضهم بلا شك. فنجيب عن ذلك: ان التطور لا مانع منه اذا كان حسب القواعد العقلائية والشرعية وبما لا يمس بالشرع واحكامه، والا كان حراماً، أي اذا كان ذلك التطور مخالفاً للشرع فلا يمكن ان يكون مقدمة للهداية، فهل سمعت ان محرما يكون مقدمة للهداية، فبئس الهداية وبئس التطور والحداثة. ولو صدق ما تقول، لا نحصر ذلك في مورد او موردين بشرط ان يحفظ هيبة الخطابة واللطميات. ان صح التعبير. لا ان تخرج تلك الامور عن المحدد لها وتتحول الى أمور اخرى محرمة مع شديد الاسف.

وفقك الله لكل خير
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اتمنى ان يلتفت الخطباء والمبلغين لهذه النصائح القيمة والأخذ بها
اشكرك اخي الفاضل للنشر
تقبل وافر الحب والتقدير

بسم الله الرحمن الرحيم
شكرا لكم المرور والتعليق العطر

بسم الله الرحمن الرحيم
وفق الله خطبائنا للتمسك بتوجيهات الحق والانصاف ففي ذلك سعادة الدارين.