متى تنصروا الحق يا أصحاب المنابر
بقلم الاستاذ علي الزيدي
يدور الحق وليس له لحظة يقف فيها دون إختبار ، هكذا نولد ونكبر وكل يوم
لنا في هذه الدنيا مواقف نفتخر فيها أو نلام .
ولكن الأمر يتعقد أكثر، وتكبر المسؤولية والحساب كلما كان موقعك الإجتماعي أو الديني أكبر، وكلامك مسموع أكثر، بل الأدهى والأمر عندما تعتلي منبر الوعظ والإرشاد ، ناصباً نفسك داعية الى الله تعالى وإنتهاج منهج الصالحين و الصادقين ، مُذكّراً بمواقف الأنبياء والناصحين وكيف أنهم واجهوا الباطل بالقلب واللسان واليد ولم ينصرهم إلّا بعض قليل ، وتركهم الباقون حباً في الدنيا ومداراة للحكّام والسلاطين .
والأعجب أنهم عندما يتناولون سيرة القضاة وأصحاب العمائم المتلونين ، وكيف أنهم يقلبون الامور على الناس ليجعلوا من الحق باطلاً ومن الباطل حقاً ، مختلقين الأعذار تلو الأعذار ، وتحسين صورة القبيح بمشروع (التلاعب اللفظي)، وسحب العقول بخيوط الخديعة والإفتراء .
فها هم اليوم قد ملأوا الإذاعات والفضائيات ، يتكلمون صباحاً ومساءاً ، وفي الحلِّ والحضر بسيرة المعصومين ويقولون خلاف ما يفعلون كما قال تعالى واصفاً الشيطان {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف : ٢١] ويحتد ويشتد هذا الأمر كلّما كانت الظروف مؤآتية ، ولا يوجد فيها محك للفرزنة والإختبار .
امّا عندما يصبح الظرف الخارجي مشحوناً بالمواجهة والتحدي بين طرفي الحق والباطل ، تجد الخطباء والمحاضرين من أهل العمائم وغيرهم ، إلّا القليل النادر منهم يكون حاله مرتبطاً بأحد المواقف الأتية :
الأول : تستمر محاضراته ، ويبقى على المنبر واعظاً ولكن بأي وعظٍ يوعظ وبأي خط يسير ، فأنه يبقى يلوكُ بالماضي حتى يشبَع ويُشبِع السامعين والحاضرين منه ، ثم يتعجب لحظة فيعبس وجهه مقطباً حاجبيه ، وتارةً اخرى يرفع شفتيه مبتسماً لعدم نصرة المصلحين وتخاذل الناس عنهم .
يتكلم طويلاً دون ان يكلف نفسه بإنعطافة صغيرة ليجعل الحاضرين والسامعين يعيشون حالة تسقيط المواقف التأريخية السابقة على واقعهم المعاش ، لكي يكون كل فرد منهم مصداقاً للأفراد السابقين الذين يتكلم عنهم الواعظ ، فأما متخاذلاً وأما ناصراً ، فكل إنسان لا يستطيع أن ينكر ذلك فهو على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره .
وحينها أتوقع ان الكثير منّا لن يتعجلوا بعدها بإصدار الأحكام العنيفة ، أو يقوموا بلعن الذين لم ينصروا الانبياء والأئمة والمصلحين في تلك الأزمة ، خوفاً من أن يمسهم اللعن ، لأتحاد الموقف المتخذ تجاه المنادي بصوت الحق .
الثاني : بعد أن اغتنى الكثير من المسؤولين في الدولة وخصوصاً من مدّعي التشيّع ، نتيجة الفساد الذي غرسه لهم الإحتلال ، أصبح من الضروري لهم ان يدعموا بعض ممن لهم إسماً واضحاً في هذا المجال ، ليكون بالتالي الطريق الذي يمرروا من خلاله ما يريدون ، وخصوصاً هناك الكثير منّا من يعتمد في سلوكه ويومياته على ما يقوله أصحاب المنابر ، ولا يهمهم الحق عندما يصدر من غيرهم ، لا من قريب ولا من بعيد .
وذلك لأن لدى الواعظ القابلية التي يلتف بها حول الحقيقة من أجل خدمة اصحاب (الدفع الدولاري) الذي يُصَبّ على رأسه صباً فلا تأخذه في الشيطان لومة لائم .
ففي مثل هذه الأحداث المعاشة الآن والضغط الشعبي فيها على سلطة الفساد ، سيقولون أنها تظاهرات وإعتصامات المطالب التي فيها غير شرعية ، وإن من خرجوا لتغييره هو (شيعي) وعندما يسقط سوف تسقط الشيعة ، فتباً له وتعساً ويا بئس ما قال وفعل ، وسيكون مثله حينها كما قال تعالى : {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت : ٤١].
الثالث : ان نفس من يعتلي المنبر لا يستحق ان يعتليه ، لأنه لم يكن مؤهلاً التأهيل الصحيح للصعود على ذلك المكان ، ولكن حباً للشهرة والمال يلبس العمامة على رأسه ، وهو حينئذٍ لم يعلم الوظيفة الحقيقية للذي يشغل هذا المكان متلبساً بعنوانه ، وسيبقى لا يعرف من أمره شيئاً إلّا ما تعرفه العجائز من القصص والحكايات والأمثال ، مضافاً الى أنه يجهد نفسه في تعلم (النعي) ، لأنّه الطريق الاكثر فاعلية في كسب عواطف الحاضرين والمستمعين ، وحينها ستكون وظيفته الوحيدة هو الإبداع والبراعة في كيفية إبكاء الناس فقط ، فكلّما كثر البكاؤون والنائحون في مجلسه ، اعتقد بأنه أصبح ناجحاً ، وحينها سيعلو نجمه وسَيُطْلَب في المجالس وخصوصاً مجالس الرياء .
ليتحول بالتالي منبره الى شركة أو محلاً لكسب الرزق فقط ، فلن يخرج بعدها إلّا لمن يدفع أكثر ، أما مجالس الفقراء والمخلصين فلن تكون لها حصة من حضوره .
فعلى سبيل المثال هل سمعت أو رأيت احداً منهم شبّه المالكي أو غيره من المسؤولين الفاسدين بالنمرود أو فرعون أو معاوية أو يزيد أو عمر بن العاص أو الحجاج لما قاموا به من مفاسد ومظالم وتقسيم وسرقات في العراق الحبيب ، فلم يجرؤ أحد منهم على قول ذلك .
أم هل سمعت أحدهم يحث سامعيه ومن يحضر تحت منبره الى التحرك لنصرة الحق الآن ، طالباً من الجميع التوجه الى المظاهرات وساحات الإعتصام ، قائلاً لهم إن كنتم تريدون أن تواسوا الحسين عليه السلام وتلبّوا نداءه وتُحيوا ذكراه ، فإن في خروجكم وهتافكم (كلا كلا للفساد ) خير معين في ذلك .
فإلى متى السكوت يا وعاظ السلاطين ، ومتى تنصروا الحق يا من عشتم الآن عيشة المترفين الناعمين (دولارات ، سفر ، تقدير ، عمائم مقدسة ، تقبيل ايادي ، شهرة ، قصور عاليات ، و...الخ ) فمتى تكونوا صادقين ناصحين لمن يسمع وينصت اليكم كما قال تعالى : {يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ} [الأعراف : ٧٩].
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم والعن عدوهم .
الاستاذ علي الزيدي
١٢ رجب ١٤٣٧
٢٠ نيسان ٢٠١٦