(( محمد الصدر حركة الإصلاح الكبرى ))
بقلم الاستاذ الفاضل علي الزيدي
مرحلة خطرة من مراحل التاريخ التي مر بها المجتمع العراقي إذ هيمن فيها اليأس من الإصلاح في شأنه الداخلي والخارجي على حدٍ سواء، وذلك لأن المرحلة لم تكن من المراحل التي يغض الطرف عنها وعدم محاكاة واقعها كما سبقها من المراحل، لأنها مرحلة مفصلية يشعر بخطورتها وحساسيتها من هيمن على العالم سياسياً واقتصادياً، تلك الهيمنة التي جعلته يستقرء الاحداث فيضع قبالها ما يحاول ان يتفوق به على أي مد فكري يخالف مبتنياته ومساعيه .
فكان يواجه مدين، الأول : هو ذلك المد الفكري الذي لا يمت الى الإسلام بصلة، وهذا على إعتبار إن قوى الاستكبار ترتكز باطناً على البعد الديني ( المسيحي واليهودي ) الذي من خلاله تتقوى في إكمال ما تصبوا إليه من إخضاع البشرية لها وتمهيد عودة المسيح المنتظر كما يزعم النصارى، أو لخروج نبي الله عيسى كما تؤمن اليهود والذي يخرج الى هذا الوقت .
إذن نستطيع أن نسمي المد الأول بالفكر المادي، وهذا المد واقعاً لم تبقَ له راية لها من الأسس المنهجية التي تؤسس نظام عالمي جديد، وخصوصاً بعد إنهيار المعسكر الشيوعي وإنتهاء ما يسمى بالاتحاد السوفيتي .
إذن بقي المد الإسلامي، وهم على معرفة تامة أين أناخ برَحْلِه وأين حلت أسسه الصحيحة، مضافاً الى معرفة النقطة الجوهرية التي سيظهر منها المصلح العالمي وفي أي بقعة سيكون الإنطلاق نحو التغيير بدساتير الإسلام التي ضيّعها المسلمون، وساهموا بشكل كبير بإنحرافها .
فكان العراق هو محط أنظارهم وشغلهم الشاغل، وهذا التصور منشأه الروايات التي وردت عن أهل العصمة ، مضافاً الى موقعه الاستراتيجي المهم وما يحمله من ثروات طبيعية هائلة .
إذن على هذا الاساس كان الاستحكام والسيطرة المبذولة من قبلهم على هذا البلد شديد، ولا يمكن بحال رفع الضغط وفك كماشة الاستمكان منه .
فسعوا الى أن يحاربوا الإسلام بالإسلام، وجعل حكاماً يحكمون بإسم الإسلام ومدّهم بكل وسائل السيطرة، لمنع ظهور الإمام وضرب قاعدته من الداخل . فنجحوا الى حد كبير في هذا الإتجاه
ولم تستطع المؤسسة الدينية في النجف الأشرف التخلص من هذه الكماشة، وبقيت مستسلمة لها، لا تقوى على فعل شيء يناهضها.
ولكن لله اقدار وتخطيط لا يمكن لأحد أن يقف لمنعها وصدّها، فكان السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره ذلك الشهاب الثاقب الذي استطاع هدّ البناء الذي بنوه بنهج للمقاومة جديد، لم يكن له من قبل مثيل بحيث بقي العدو تجاهه في حيرة من أمره لا يستطيع إيقاف مدّه .
وفي الواقع كانت حركة السيد الشهيد قدس سره الإصلاحية حركة الكل قد غفل عن محركاتها الرئيسية واستطاع هو بنظره الثاقب واستقراءه للأمور من باطن عميق ان يتوصل الى مقدماتها والعمل على ضوئها وتقديمها للمجتمع بمستوى يعجز العدو عن منعها والوقوف بوجهها بالقّوة أو بالفكر.
هذا الأمر أي أمر الغفلة والمفاجأة، لم يكن محصوراً بقوى الإستكبار، بل حتى المؤسسة الدينية الإسلامية كانت واقعة تحت تأثير المفاجأة وبعد المقاومة الفكرية الجديد، لذلك لم يستطيعوا هضم حركة السيد الشهيد فبقوا بعيدين عنها وعن نصرتها .
ولكن كما قلنا أن حركة الإصلاح كانت تدور بيد السيد الشهيد قدس سره فلم يعبأ لكلا الطرفين ( أي طرف الاستكبار من جهة وطرف المؤسسة الدينية من جهة أخرى ) وبقي يسير وحيداً في هذا الدرب ناجحاً ومؤثراً في كل خطوة من خطواته، حتى حقق الهدف من وجوده وما أراده الله تعالى منه.
ولذلك لم يبقَ أمام الإستكبار أيّ موقف إلّا القضاء عليه وتصفيته جسدياً لإزالته من الساحة، ظناً منهم أنهم سيتمكنون من اسكات ذلك الصوت المصلح، ولكن انبثق من تلك الحركة الصدرية بَعدَ الإستشهاد بُعدٌ إصلاحي تكميلي، لتبدأ مرحلة من مراحل مواجهة المد الإستكباري العالمي تحت ضغط أكبر وسعة عقائدية أكبر .
ولكن الشيء الغريب إن المؤسسة الدينية بقيت بعيدة عن الحركة الإسلامية الاصلاحية التكميلية ، كحالهم مع حركة السيد الشهيد قدس سره بل وزيادة، ولم يستفيدوا من المرحلة السابقة ودرسها العالي قيد أنملة، وياليتهم يرجعون الى عقولهم لينصروا الحق قبل فوات الأوان .
علي الزيدي
٣ ذي القعدة ١٤٣٧