الدرس الحادي عشر من دروس شرح موسوعة الأمام المهدي عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
المتن :-
النقطة الخامسة :
أن تكامل الفرد وبالتالي تكامل المجتمع البشري , يتوقف _ بعد أن وهبه الله عز وعلا العقل والاختيار – على عاملين : عامل خارجي وعامل داخلي , أو قل عامل موضوعي وعامل ذاتي .
الشرح :-
جاء في حديث طويل عن هشام بن الحكم ننقل منه محل الحاجة (قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام ياهشام إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال (فَبَشِّرْ عِبَادِ{١٧} الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ{١٨}) سورة الزمر ١٨ . إلى أن قال سلام الله عليه يا هشام إن لله على الناس حجتين : حجة ظاهرة وحجة باطنة , فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام وأما الباطنة فالعقول ). (١)
نفهم من ذلك إن إعطاء الله تعالى للإنسان جوهرة العقل ليتكامل من خلاله ولولا وجود العقل لما شم أي فرد من أفراد الإنسانية رائحة التكامل على الإطلاق .
ولذلك منح الله تعالى العقل قوة الاختيار لتكون بمثابة الآلة التي يتحرك من خلالها لنيل الكمالات العالية إن أحسن العقل التصرف بها أو تكون بسوء التصرف آلة لهلاكه والعياذ بالله .
ولذلك فمن لا عقل له ولا اختيار يكون خارجاً تخصصاً من هكذا بحث . وكذلك من كان له عقل دون إختيار . وبعد أن وهب الله تعالى للإنسان العقل والاختيار أوقف تكامله على عاملين هما :-
١- العامل الخارجي أو العامل الموضوعي .
٢- العامل الداخلي أو العامل الذاتي .
ولبيان معنى العامل الأول [ (فالموضوع هو الشيء الموجود في العالم الخارجي وهو ما ندركه بالحواس ونتصوره ثابتا ومستقرا ومستقلا عن رغباتنا وآرائنا) . ويطلق على الشيء المستقل عن ذاتنا . ويدل الموضوع على ما يكون صحيحا بالنسبة إلى جميع العقول لا بالنسبة إلى عقل دون آخر . والعقل الموضوعي هو الذي ينظر إلى الأشياء نظرة موضوعية فلا يتأثر في أحكامه بما تعود أو أحب أو كره ) (٢)
وجاء في كتاب قاموس الفلسفة (لفظة موضوعي تدل بشكل دقيق جدا على ما يوجد بمعزل عن الذات , أي العالم الخارجي ) ويتطلب مفهوم الموضوعية ميزتين أساسيتين هما :-
١- ما كان له وجود مستقل عن الذات .
٢- ما كان له قيمة كلية .) (٣)
أما العامل الداخلي الذاتي :-
وهو ما ينسب إلى الذات . (والذاتي : هو ما يخص الشخص دون غيره ) (٤)
وجاء في قاموس الفلسفة (الذات : هو الفعل المدرك (بكسر الراء ) في مقابل الموضوع المدرك (بفتح الراء) , وبمعنى أن صاحب عمل معين هو فاعله والمسؤول عنه ) (٥)
ولنعد إلى المتن وتوضيح المطلب :-
إن تكامل الفرد والمجتمع يتوقف على العاملين المذكورين وذلك لأن العقل بمفرده لا يستطيع الوصول إلى إدراك الحقائق كلها , ولا يستطيع معرفة كل ما ينفعه وما يضره . نعم أنه يدرك البعض منها لتكون رأس ماله المعرفي ليتمكن من السير في بداية وجوده نحو المرجو منه والغاية التي وجد من أجلها .
وعليه سوف يكون دور العقل هو معرفة طريق الحق من الباطل بعد أن تعرض له طرق التربية الإيمانية الصحيحة ليكون له دور الاختيار وإتباع من القول أحسنه .
ولذلك فإننا في جانب العامل الخارجي الموضوعي نحتاج إلى من يرشدنا ويفهمنا معاني العدل والكمال لكي يستطيع الفرد من أن يتخذ له منهجا وطريقا يسلكه . وما دام تكامل الفرد والمجتمع يرتبط بعامل خارجي إذا لا يمكن لأي فرد أن يتكامل بإمكانياته الخاصة فقط ولذلك فنحن نرى كيف ينهار الفكر ويضيع المسعى في الدنيا متى ما أنكرنا العامل الخارجي الموضوعي واعتمدنا على العامل الداخلي الذاتي وما نراه من فشل الفلسفات الوضعية لهو خير مثال على ذلك .
المتن :-
أما العامل الخارجي الموضوعي , فهو إفهام الفرد – وبالتالي المجتمع – معنى العدل والكمال الذي ينبغي أن يستهدفه والمنهج الذي يجب عليه أن يتبعه في حياته ويقصر عليه سلوكه
الشرح :-
بما إن المجتمع متكون من أفراد فإن إفهام الفرد واستيعابه بالمعاني الإيمانية العالية ويعود بالتالي إلى تكوين مجتمع مؤمن واعي ويكون على قدر تحمل المسؤولية اتجاه ربه وخالقه , وبما إن السيد الشهيد قدس سره قال إن تكامل الفرد والمجتمع يتوقف على العاملين المذكورين فالعامل الأول الذي هو العامل الخارجي الموضوعي والذي هو الشيء المستقل عن ذواتنا فإننا بالتالي نحتاج إلى هذا الشيء ليفهمنا ما هو العدل وما هو معنى الكمال لكي تتربى ذواتنا عليه بعد أن تعقل ما يعرض لها من المعاني والقيم . وذكر السيد الشهيد قدس سره معنى العدل والكمال دون أن يذكر غيره من الصفات وذلك لأن الأساس في البناء الصحيح هو العدل , ولا يمكن السير نحو الكمال المستهدف دون معرفة معنى العدل ومن ثم إفهام الفرد المنهج (أي الطريق ) الذي يجب عليه أن يسلكه في حياته ولا ينحرف عنه بل يكون تابعا لهذا المنهج في كل صغيرة وكبيرة بحيث لا يرى في وجوده إلا هذا الطريق الذي إختاره حتى تتم الغايات والأهداف من وراء ذلك الإفهام للفرد والمجتمع .
المتن :-
وهذا الإفهام لا يمكن صدوره إلا عن الله عز وجل , بعد البرهنة على عدم إمكان توصل البشرية إلى كمالها ومعرفتها بالعدل الحقيقي إذا عزلت فكريا عن الحكمة الأزلية الإلهية , كما صح البرهان عليه في بحوث العقائد الإسلامية , ومن ثم لا يمكن أن يتحقق الغرض الإلهي المهم في هداية البشرية وإيجاد العبادة الكاملة في ربوعها , إذا أوكلت البشرية الى نفسها وفكرها القاصر , وألقي حبلها على غاربها , إذن فلا بد من أجل التوصل إلى ذلك الغرض الكبير من أن يفهمها الله تعالى معنى العدل والكمال وتفاصيل السلوك الصالح الذي يجب اتخاذه .
الشرح :-
إن مفهوم الحكمة الأزلية هو أن الله تعالى لا يفعل شيئا إلا لغرض وفائدة , وهذا منذ الأزل , وقد عرفنا الأزلي في دروس سابقة فراجع .
إذن من غير المعقول والمنطقي أن يترك الإنسان في هذا العالم المترامي الأطراف وهذه التشعبات والتعقيدات الحياتية اليومية وخصوصا أننا نعرف بأن الإنسان اجتماعيا في طبعه وله مع الأفراد الآخرين جهات اختلاف وائتلاف , وعليه سوف يكون هناك تفاوت وتباين في تشخيص المصالح والمفاسد متى ما أوكلت البشرية إلى نفسها , علما إن الإنسان محدود في الزمان والمكان وحتى في الفكر فكيف له أن يدرك من تلقاء نفسه ما يوجب كماله وسعادته في الدارين , وهو يجهل ما يريد ربه منه وما لا يريد , بل أنه يجهل من أين جاء والى أين يذهب وما بينهما ماذا يفعل ؟
فالبشرية والحال هذه تحتاج إلى من يرشدها ويهديها السبل الكفيلة لتحقيق سعادتها في جميع شؤون الحياة سواء كانت مادية أم معنوية فردية أم جماعية وعلى مستوى حاضرها ومستقبلها . وهذا لا يتم إلا من قبل الله تعالى لأنه خالق الأشياء وبارئها فهو أدرى بشؤونها وبما يصلحها . وكما جاء في كتاب الله العزيز( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{٦٨} وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ)القصص ٦٨-٦٩
المتن :-
وحيث إن إفهام البشرية من قبل الله تعالى بالمباشرة والمواجهة مستحيل , كما صح البرهان عليه في بحوث العقائد الإسلامية , احتاجت البشرية الى أن يرسل الله تعالى اليها أنبياء مبشرين ومنذرين . وأن يكون إرسالهم وإثبات صدقهم طبقاً لقانون المعجزات . لأن هذه المعجزات تقع في طريق هداية البشر والوصول إلى إيجاد الغرض المهم من إيجادهم .
الشرح :-
وبالتأكيد فإنه لا يتم هذا التعليم وإفهام البشرية لما يصلحها وما يربيها من قبل الله تعالى بالمباشر . فلذلك إحتجنا إلى الرسول قال الله تعالى {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }(٦) البقرة ٢١٣ .
وبما إن المعرفة والعبادة تحتاج إلى تعيين واسطة بين الله تعالى والخلق لاستحالة الإفاضة بلا واسطة , ولذلك إحتجنا إلى الرسول ليكون هو الواسطة بعد أن يكون التصديق بالرسل طبقاً لقانون المعجزات , والتي يكون وجودها محققاً لهداية البشر . ويمكن لنا أن نبين معنى المعجزة المعنية في قول السيد الشهيد قدس سره بما يلي :-
المعجزة كما عرفها السيد الخوئي قدس سره ( أن يأتي المدعي لمنصب من المناصب الإلهية بما يخرق نواميس الطبيعة ويعجز عنه غيره شاهدا على صدق دعواه ) (٧)
وعرفها محمد هادي معرفه ( المعجزة تطلق على كل أمر خارق للعادة إذا قرن بالتحدي وسلم عن المعارضة , يظهره الله على يد أنبيائه ليكون دليلاً على صدق رسالتهم ) (٨)
ولذا فإن أي شيء يكون عن طريق الحس والتجربة لا يسمى معجزة . أما وجه التلازم بين حاجة النبي إلى المعجزة وحاجة الناس إليها , هذا مما يجب أن يكون واضحاً لعدم قدرة النبي من أدا ما أرسل به دونها ,لأن الناس بطبعهم لا ينقادون إليه إلا بعد أن يتحقق العجز عندهم بعدم مجاراته بما جاء به كدليلا على إعجازه . وأخيراً يمكن أن نقرب الموضوع إلى الأذهان بمثال بينه الشيخ محمد جعفر شمس الدين في كتابه دراسات في العقيدة الإسلامية قال فيه ( لو فرضنا أن ملكاً يحكم شعبا وقطع أي اتصال بينه وبين أفراد هذا الشعب ولم يسن له دستوره الذي سوف يحكمه على ضوء مراده وبنوده , فليس من حقه أن يعاقب عندئذ أي شخص ولا أن يثيبه , فيما لو أخطأ أو أصاب , بل للعقلاء أن يذموا ذلك الملك فيما لو عاقب أو أثاب من أرتكب ما لا يرتضيه أو ما يرتضيه , ولهم أن يحتجوا عليه بأنه كان من المفروض فيه أن يبين لهم ما يريد وما لا يريد , ليعاقب من خالف ويثاب من أطاع عن حجة ً وبينة ً .
وكذلك الحال لو فرض أن ذلك الملك سن دستوره الذي يراه ثم أقفل عليه في درج مكتبه , لم يبلغه بالطرق المتعارفه إلى شعبه . وحيث أن الله سبحانه ليس جسماً , فلا يمكن أن يحويه زمان ولا مكان , كان لا بد من إيصال ما يريد من الناس إليهم عن طريق من يستطيعون التفاهم معه , ومن سنخ طبائعهم البشرية , وما ذلك إلا الرسول أو النبي ) (٩)
المتن :- ومنه نستطيع أن نلاحظ , كيف أن خط الأنبياء الطويل , والإعداد الكبير منهم إنما كان باعتبار التقديم والتمهيد للغرض الكبير . باعتبار أن البشرية حين أول وجودها كانت قاصرة عن فهم تفاصيل العدل الكامل , فلم يكن في الإمكان إيجاد المجتمع العادل الكامل الموعود في ربوعها لأول وهلة , بل كان لا بد أن تتربى البشرية تدريجياً الى أن تصل إلى المستوى اللائق الذي يؤهلها لمجرد فهم العدل الكامل الذي يريد الله تعالى تطبيقه في اليوم الموعود .
ومن هنا نعرف أن الأنبياء إنما تعددوا وتكثروا من أجل إعداد البشرية وتربيتها للوصول الى هذا المستوى اللائق ... لكي يتم لها هذا العامل الخارجي الأساسي وهو إفهامها العدل الكامل والأطروحة النظرية التامة للعدل التشريعي الذي يريد الله تعالى تطبيقها على وجه الأرض , والتي بها تتحقق العبادة الكاملة التي يرضاها الله تعالى لخلقه , وبها يتحقق الهدف الأساسي لإيجاد الخليقة .
الشرح :-
بما أن الله تعالى قد حدد للبشرية هدفاً ووجودهم قائم على تحقيقه , وهو الذي أشار إليه السيد الشهيد قدس سره بقوله (التمهيد للغرض الكبير ... ) وهو العبادة الحقة ولا يتم تحقيق العبادة الحقة إلا بعد معرفة وفهم البشرية للعدل الكامل وتطبيقه من قبل الإمام المهدي عليه السلام في هذه الدنيا , وعليه فأن هذا الهدف بطبعه عالي المضامين والمفاهيم , ويحتاج إلى الكثير من الرقي الروحي والتجرد عما يكدر صفو الفطرة السليمة , ويكفي في معرفة أهمية تحققه أو قل صعوبة تحققه أننا احتجنا إلى زمن طويل يمتد إلى آلاف من السنين واحتجنا معه إلى الكثير من الأنبياء والرسل وكل قام بدوره التمهيدي لما يليه وعلى الآخر إكماله إلى أن وصل إلى رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله .
ولتوضيح ذلك يمكن أن نأتي بهذا المثال :-
يمكن لنا أن نصف البشرية في بدء خلقها كالطفل الصغير فبالرغم من أنه طفل موجود ينطبق عليه عنوان أنه إنسان أو بشر , إلا أنه بالتأكيد غير قادر على القيام بالكثير من الأعمال سواء على صعيد الحركة أم الفكر , ولذلك فهو يحتاج إلى فترة زمنية ينموا فيها ويحتاج في هذه الفترة إلى من يربيه ويكون المربي لكل مرحلة من مراحل عمره مختلفا ً عن المربي الذي يلي مرحلته السابقة وهكذا إلى أن يصل إلى مرحلة النضج فإنه يحتاج إلى مربي أعمق وأكمل من المربين الذين سبقوه وذلك لأن الإنسان في أول مراحل عمره إمكانياته محدودة وإطار فكره ضيق فلا يحتاج إلى الكثير من الدقة والعمق في التربية , على العكس من مرحلة النضج والتفتح فإنها مرحلة حرجة وخطرة ويكون العقل البشري فيها حاد ومنفتح على العالم الخارجي بأفراده وعاداته والطبيعة التي تكتنفه , فإن لم يتوجه التوجه الصحيح ضاع الإنسان وخسر عمره . ولذلك فإن الإنسان يحتاج إلى المربي الماهر الذي يمتلك مواصفات أعلى من غيره الذين سبقوه في المراحل الأولى لكي يوصله آمناً سالما ً إلى غايته التي وجد من أجلها .
وكذلك البشرية بدأت بسيطة وغير معقدة فاحتاجت إلى بدايات بسيطة وغير معقدة ولكن وجودها ليس لهذا بل أنها وجدت لتنموا وتنضج وتتكامل لكي تستطيع بالتالي تحقيق الهدف من وجودها فكان رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله هو المربي الأكمل والأتم لما تحتاج إليه البشرية ولذلك كان هو الخاتم . ولكن كما قلنا سابقا ً إن وصول البشرية إلى مرحلة الرسول محمد صلى الله عليه وآله ليس هو نهاية الأمر , بل إننا بوصولنا إلى الرسول محمد صلى الله عليه وآله قد وصلتنا الرسالة الكاملة التامة ولكن ليس في مرحلة الوصول لهذه الرسالة يتم التوقف بل نحتاج إلى همة وصبر عاليان لتطبيق الدستور القرآني والسير بنهجه على هذه الأرض وبأدق التفاصيل وعليه فإننا أيضا ً سنحتاج إلى زمن طويل وقيادات كثيرة لكي نؤدي هذا الدور بوجهه الأكمل ومن أجل ذلك احتجنا إلى اثني عشر إماما ً من بعد النبي صلى الله عليه وآله لكي يقوموا بدور تربية الأمة وتعليمها كيفية فهم القرآن الكريم الفهم الذي يوصلنا إلى فهم العدل الكامل ومن ثم الوصول إلى العبادة الحقة .
وذلك لأن نفس فهم القرآن وفهم البعض من جوانب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله يحتاج إلى مراحل طويلة وأساليب تربوية مكثفة على الأجيال الإسلامية أن تمر بها في سيرها التكاملي نحو العدل والمساواة والعبودية الحقة .
بل إننا نستطيع القول بأن التربية ستصل إلى مرتكز ثالث ألا وهو الأمام المهدي عليه السلام لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل التربية للوصول إلى العبادة الحقة وهي أيضا ً بدورها بعد الإمام عليه السلام تحتاج إلى الكثير من الزمن والى الكثير من القيادات الصالحة لإكمال مسيرها ويمكن أن نوضح ذلك من خلال هذا التخطيط :-
ويمكن أن نوضحها بثلاث مراحل هي :-
١- المرحلة الأولى :-
مرحلة تربية الأجيال وتهيئتها لاستقبال ثقل الرسالة المحمدية وإيصالها إلى مرحلة استلام دستورها الكامل .
٢- المرحلة الثانية :-
مرحلة نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وإنزال الدستور الإلهي الخالد المتمثل بالقرآن الكريم وهي المرحلة التي تتربى من خلالها الأمة على فهم القرآن وفهم الرسول صلى الله عليه وآله .
٣- المرحلة الثالثة :-
مرحلة الإمام المهدي عليه السلام وتربية الأجيال للوصول بهم للتطبيقات القرآنية المعمقة من أجل فهم العدل الكامل للوصول إلى العبادة الحقة .
المتن :- وأما العامل الداخلي الذاتي , فهو الشعور بالمسؤولية تجاه الأطروحة العادلة الكاملة , باعتبار أنها تضمن العدل فيما إذا أطاعها الأفراد وطبقت في حياتهم , وهي إنما تضمن الطاعة التامة , مع وجود الشعور بالمسؤولية , إذن فلا بد من أجل وجود العدل أن يوجد هذا العامل الداخلي الذاتي في الإنسان .
الشرح :-
أما في العامل الداخلي الذاتي للفرد فيكون الأمر فيه راجعا ً الى الفرد نفسه في التعامل مع العامل الخارجي الموضوعي أو عدم التعامل والتفاعل بعد أن يعرض له بالصورة الواضحة الجلية . ولا ننسى أن الفرد يتعامل مع هذا العامل في نطاق بعده الفكري ورؤيته العامة للكون وخالقه , ومدى شعوره بالمسؤولية الملقاة على عاتقه كونه فردا ً مخاطبا ً ومعنيا ً في تحقيق الأطروحة العادلة فإن أحسن التعامل مع هذا العامل وتفاعل معه بطاعة كاملة مع التسليم المطلق فإن الفرد بالتأكيد سوف يسير سيرا ً حثيثا ً لتحقيق العدل الكامل .
وأخيرا ً لا بد من القول أن العامل الخارجي الموضوعي الذي سوف يعرض للفرد للسير من خلاله في وجوده الدنيوي سوف يكون متمثلا ً بأعلى صورة بالقرآن الكريم وسنن الرسول صلى الله عليه وآله .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم وألعن عدوهم
٢٩ جمادي الأول ١٤٣٢
همام الزيدي
١- شرح أصول الكافي ج١ ص١٤٤
٢- المعجم الفلسفي ج٢ ص ٤٤٨ جميل صليبا
٣- قاموس الفلسفة ص ٥٤٢ لديدريه جوليا
٤- المعجم الفلسفي ج١ ص ٥٨٢ جميل صليبا
٥- قاموس الفلسفة ص ٢٣١
٦- سورة البقرة ٢١٣
٧- البيان للسيد الخوئي
٨- التمهيد في علوم القرآن ج٤ ص ١٦ محمد هادي معرفه
٩- دراسات في العقيدة الإسلامية ص ٢٢٣ الشيخ محمد جعفر شمس الدين